تناول المقال السابق “الاستئناف” كأحد أبرز طرق الاعتراض على الأحكام القضائية، وعرفنا تعريفه وحالاته وأهم قواعده وشروط تطبيقه، ويأتي دور الحديث عن مدد الاستئناف ومواعيده وإجراءاته.
وأولًا تراعي جميع أنظمة المرافعات إعطاء المحكوم عليه وقتاً كافياً لتقديم اعتراضه على الحكم الصادر ضده، ويختار فيه المحكوم ضده إما الطعن على الحكم أو قبوله وحسم القضية بحكم نهائي وبات، ويتوقف تحديد مدة الاستئناف على طبيعة موضوع الدعوى والحكم؛ ففي الدعاوى المستعجلة يكون الميعاد أقصر من باقي الدعاوى لحاجتها للسرعة، وهذا ما نصّ عليه نظام المرافعات الشرعية الصادر بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم م/‏1 وتاريخ 22/‏01/‏1435هـ في مادته السابعة والثمانين بعد المائة وجاء فيها (مدة الاعتراض بطلب الاستئناف أوالتدقيق ثلاثون يومًا، ويستثنى من ذلك الأحكام الصادرة في المسائل المستعجلة فتكون عشرة أيام).
ويختلف احتساب بدء سريان هذه المدة بحسب حالة تسليم الحكم، وتنقسم إلى حالتين؛ الأولى يبدأ فيها موعد الاعتراض من تاريخ تسليم صورة صكّ الحكم إلى المحكوم عليه وأخذ توقيعه في الضبط، ويكون ذلك في تاريخ النطق بالحكم إن أمكن، أو من التاريخ المحدد لتسلمها (ويحدد ناظر الدعوى موعدًا لاستلام الحكم بحد أقصى عشرين يومًا من تاريخ النطق بالحكم، وإذا لم يكن الحكم جاهزًا يجوز لناظر الدعوى تمديد الموعد لمدة كافية على أن يذكر ذلك في محضر الضبط) فإن لم يأتِ لتسلم صورة الحكم فيودع الحكم في ملف الدعوى في التاريخ نفسه مع إثبات ذلك في محضر الضبط، ويعد الإيداع الذي يتم وفقاً لذلك بداية لموعد الاعتراض.
والحالة الثانية في حالة صدور الحكم غيابياً، فإن بداية مدة الاستئناف من تاريخ تبليغ الشخص المحكوم عليه أو وكيله بالحكم (المادة 17 من نظام المرافعات ولائحته التنفيذية) وتبدأ مدة الاعتراض من اليوم التالي ليوم تسلم صورة صكّ الحكم أو من اليوم التالي لليوم المحدد لتسلمها.
ويُجمد سريان مدة الاعتراض بموت المعترض أو بفقده الأهلية للتقاضي أو بزوال صفة من كان يباشر الخصومة عنه، ويستمر الوقف حتى إبلاغ الحكم إلى الورثة، أو من يمثلهم أو حالة زوال العارض، ويكون تبليغ ورثة المعترض أو من يمثل من قام به العارض، عن طريق وسائل التبليغ المحددة في نظام المرافعات الشرعية، فإذا تعذر التبليغ يجب رفع الحكم إلى محكمة الاستئناف لتدقيقه (المادة 180 من نظام المرافعات ولائحته التنفيذية).
أما بالنسبة إلى إجراءات رفع طلب الاستئناف أو التدقيق وشروطه والحكم فيه، فيعد المستأنف مدعياً في الاستئناف ويعد المستأنف ضده مدعى عليه، ويكون الاستئناف عن طريق تحرير صحيفة من المستأنف أو طالب التدقيق تودع لدى إدارة المحكمة التي أصدرت الحكم “محكمة الدرجة الأولى” ويجب أن تشتمل الصحيفة على بيان الحكم المطلوب استئنافه، وتاريخ صدوره، والمحكمة التي أصدرته، ورقم القضية التي صدر فيها، وكافة المعلومات التي توضح حقيقة الحكم بما ينفي عنه الجهالة، أسباب الطعن بالاستئناف بذكر الأوجه التي يعتمد عليها المستأنف في استئنافه، ويرى أنها وجيهة لتعديل الحكم أو إلغائه، ويحق له التمسك بجميع الدفوع التي أوردها أمام محكمة الدرجة الأولى، ويقدم المستأنف الأوراق والمستندات الجديدة والتي تؤيد اعتراضه ولم يسبق تقديمها.
ويجب أن تشتمل الصحيفة أيضًا على ذكر طلبات المستأنف، والتي يجب ألا تخالف ما تم طلبه أمام محكمة الدرجة الأولى، وإلا أصبحت طلبات جديدة لا يجوز قبولها، إلا إذا كان هذا الطلب الجديد هو ما استجد على الطلب الأصلي، مثل زيادة مدة الإيجار وغيرها، توقيع المعترض على جميع صفحات مذكرة الاعتراض، وكتابة تاريخ إيداع مذكرة الاعتراض “صحيفة الاستئناف” وذكر بياناته التفصيلية، وبيانات الخصم، ويجب على المعترض إرفاق صور من صكّ الحكم مع مذكرة الاعتراض، ويجب على المعترض إذا كان اعتراضه بطلب الاستئناف مرافعة، أن يرفق صورًا من مذكرة الاعتراض بعدد المستأنف ضدهم.
أما إذا تعدد المحكوم عليهم جاز لهم أن يقدموا مذكرة اعتراض واحدة، ويجوز تقديم أكثر من مذكرة اعتراض خلال موعد مدة الاعتراض وهو الثلاثون يومًا، وإذا لم يوضح طالب الاعتراض نوع طلبه تدقيقاً أو مرافعة فتنظر محكمة الاستئناف في الاعتراض مرافعة (إذا كان من الدعاوى التي تستوجب ذلك وليس مستثناة مثل الدعاوى اليسيرة التي يحددها المجلس الأعلى للقضاة)، ويحق للمعترض هنا تغيير نوع طلب الاعتراض الذي اختاره في مذكرة الاعتراض سواء كان مرافعة أو تدقيقاً فقط، بشرط أن يكون ذلك فقط خلال مدة الاعتراض وهي الثلاثون يوماً.
وتقيد إدارة المحكمة مذكرة الاعتراض في تاريخ إيداعها بالسجل المخصّص لذلك، ومن ثم تحال إلى الدائرة التي أصدرت الحكم، وبعد اطلاعها على المذكرة، يجوز لها إعادة النظر في الحكم من ناحية الوجوه التي بُنيّ عليها الاعتراض من غير مرافعة، ما لم يظهر مقتضى «سبب يستوجب فتح باب المرافعة، ووقتها إما تؤكد حكمها أو تعدله بحسب ما يظهر لها.
وإذا أكدت حكمها رفعته مع صور ضبط القضية ومذكرة الاعتراض وجميع الأوراق إلى محكمة الاستئناف ويجب عليها تدوين في محضر ضبط القضية أسباب تأييدها للحكم ورفض اعتراض المعترض، أما إذا عدلته فيبلغ الحكم للخصوم، وتسري عليه في هذه الإجراءات المعتادة (وهي حق الطرف الصادر ضده الحكم الاعتراض عليه خلال المدة النظامية وهي ثلاثون يوماً).
وتحدد محكمة الاستئناف جلسة النظر في طلب الاستئناف أو طلب التدقيق إذا رأت النظر فيه مرافعة، فإذا لم يحضر المستأنف أو من طلب التدقيق بعد إبلاغه كتابة بموعد الجلسة، ومضى ستون يوماً ولم يطلب السير في الدعوى، أو لم يحضر بعد السير فيها فتقضي المحكمة من تلقاء نفسها بسقوط حقه في الاستئناف.
وتنظر محكمة الاستئناف في طلب الاستئناف استناداً إلى ملف الدعوى من أوراق وما يقدمه الخصوم من دفوع جديدة، وتحكم بعد سماع أقوال الخصوم في طلب الاستئناف بتأييد الحكم أو نقضه كلياً أو جزئياً.
وفي القضايا التي يتم تدقيقها فقط دون مرافعة إذا وجدت محكمة الاستئناف أن الحكم موافق لأصوله الشرعية، أيّدته وتصدر قراراً بذلك وتهمش على صكّ الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى وترسله لها؛ لتدوين ذلك في الضبط والسجل، أما إذا نقضت الحكم كلياً أو جزئياً فعليها أن تقضي فيما نقض بعد سماع أقوال الخصوم (المادة 190من نظام المرافعات ولوائحه التنفيذية).
ويجب على محكمة الاستئناف عند نقض وإلغاء الأحكام الصادرة عن محكمة الدرجة الأولى بعدم الاختصاص أو بقبول دفع فرعي ترتب عليه عدم السير في الدعوى، أن تعيد القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم لتعيد النظر فيه (وذلك استنادًا إلى مبدأ التقاضي على درجتين؛ لأن تلك الأحكام فصلت في الشكل والإجراءات فقط ولم تفصل في الموضوع).