من المبادئ المتأصلة للعدالة في المملكة “علانية المحاكمة” وهي تمكين الناس من غير تمييز من دخول قاعات المحاكمة وسماع الدفوع والاطلاع على سير القضية ومجرياتها بكل حرية.
والعلانية لم تكن غريبة على المجتمع الإسلامي كما يظن البعض, لأن القضاء الإسلامي لم يعرف المحاكمات السرية فكان مجلس القضاء في عهد الرسول “ص” والخلفاء الراشدين في المسجد، وذكر قضاة الإسلام ذلك فقال في المغني 10/101 (فصل قال أصحابنا يستحب أن يحضر مجلسه أهل العلم من كل مذهب حتى إذا حدثت حادثة يفتقر إلى أن يسألهم عنها سألهم ليذكروا أدلتهم فيها وجوابهم عنها فإنه أسرع لاجتهاده وأقرب لصوابه).
ولم يكن حضور الجلسات صورياً بل مشاركة فعلية بعد طلب القاضي وإذنه, وقال في فتح القدير 7/267 (ويجلس للحكم جلوساً ظاهراً في المسجد.. ولو جلس في داره فلا بأس به, ويأذن للناس بالدخول بها, ويجلس معه من كان قبل ذلك؛ لأن في جلوسه وحده تهمة)، وعلى هذا فالواجب الإعلان بالقضاء لأن ذلك ادعى للعدل وأحرى للقبول بالحكم, وقد يندفع عن بعض الخصوم كثير من الكذب في الحُجة إذا رأى الناس حياءً وخوفاً فيندفع شر كبير عن الناس بإقرار العلانية.
أما نظام المرافعات الشرعية فنصّ على علانية الجلسات في المادة الحادية والستون وجاء فيها (تكون المرافعة علنية إلا إذا رأى القاضي من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب أحد الخصوم إجراءها سراً محافظة على النظام العام أو مراعاة للآداب العامة أو لحرمة الأسرة).
ومن الأمور التي تتأكد فيها علانية الجلسات ما يتعلق بالشأن العام سواءً كان سياسياً أو اجتماعياً أو ثقافياً, فالمجتمع يعد في مثل هذه القضايا طرفًا في الدعوى والأحكام التي تصدر يمكن أن تشتمل على تقييد للحرية أو تجريم لفعل أو قول، وقد تشكل سوابق قضائية يتأثر بها المجتمع بأسره.
وفي المجمل فإن علانية الجلسات نوع من الرقابة على القضاء لكنها رقابة لا تملك التدخل في شؤون القضاء, وإنما هي حافز لكي يتحرى القاضي والمدّعي والمحامي تحقيق العدالة بما يعود على المجتمع بالنفع, فالعلانية رقابة مقارنة للقضاء وأحرى لجلب الطمأنينة لدى المتداعيين إلى سلامة الإجراءات القضائية, وإبعاد القضاة عن الشبهات.
ولكن علانية الجلسات لا يجب أن تؤثر سلباً على حفظ النظام العام خلال سير الجلسة أو على حيادية القضاء, فالقاضي يمثل الشريعة والقانون ولا يجوز أن يكون محابياً للمجتمع أو للدولة.
صواباتحت رعاية الموقع . كوم
اترك تعليقاً