يعتبر النظام القضائي في المملكة من أهم صمامات الأمان للمجتمع السعودي، وإذا فقدت فيه الثقة اهتزت عدالته وحصانته، ورغم استقلاله واحترامه من قبل الجميع إلا أن ذلك لا يمنع المتظلم من اللجوء للدرجات القضائية التي تكفل الإنصاف، وليس اللجوء للإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
كما أن الاستقلالية والحصانة القضائية هي لمنطوق الحكم وعدم جواز نقده عبر وسائل الإعلام، وإنما لدى الدرجات القضائية الأعلى مثل المحكمة الابتدائية ثم محكمة الاستئناف ثم المحكمة العليا، لكن يجوز نقد ما سواه مثل أوضاع المحاكم ومواعيدها وطريقة التعامل مع الجمهور دون منطوق الحكم القضائي الذي هو وحده دون سواه له الحصانة القضائية.
وبحسب رأي الكاتب عيسى الغيث في مقاله بجريدة “الوطن”، ليس هناك خلاف على أن مفهوم الحرية الإعلامية يعني حق الحصول على المعلومات من أي مصدر مشروع، وكذلك الحق في نشر الأخبار والأفكار دون قيود وضوابط، وتعني أيضًا القيود التي تحفظ الحرية الإعلامية من جهة وتمنع تجاوزها الحدود المشروعة من جهة أخرى.
ومن المبادئ المسلّم بها في النظام القضائي “العلانية” لضمان إحلال الشفافية والنزاهة، إذ ورد في نظام المرافعات الشرعية النصّ على أن تكون المرافعة علنية، إلا إذا رأى القاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أحد الخصوم إجراءها سرًا محافظة على النظام أو مراعاة للأخلاق العامة أو لحرمة الأسرة، لذلك فلكل أحد من الناس حق حضور الجلسات سوى ما ذكر، وإذا أجاز القاضي حضور العموم فيجوز نشره للعموم بلا كشف للخصوصيات، وإذا لم يقرر القاضي سرية الجلسة فتبقى العلنية على أصلها ويكون النشر جائزًا بذلك، وما دام الحضور مكفولاً للجميع فلا يمنع من نشر ما يدور فيه إلى خارج مجالس القضاء للجميع لاسيما عبر وسائل الإعلام.
ونجد في بعض المحاكمات العالمية بث مباشر لها في بعض وسائل الإعلام المسموعة والمرئية كدليل على العدالة والنزاهة، ولذلك فلا يمنع في الأصل من النشر الإعلامي لما يدور من المداولات القضائية، كما يجوز النشر بعد الحكم وقطعيته من باب أولى، شريطة أن يكون النشر بهدف توضيح الصورة للمتلقي دون أن تكون المادة المنشورة موجهة، وإنما بكل حياد وموضوعية ودون الكشف عن أسماء المعنيين بها أو فضح الأسرار الخاصة أو تحريض الرأي العام ضد العدالة.
ويوجد فرق كبير بين نشر أيّة معلومات حول أيّة قضية مثل خبر إعلامي مجرد في وسائل الإعلام، وبين النشر لحمل القضاء على تطبيق حُكم معين، والأول حق بنص النظام كون المحاكمات علنية ما لم يقرر القاضي سريتها، والثاني جريمة يعاقب عليها؛ لأن أصل العلانية في الأنظمة السعودية مستنبط من المبادئ العامة.
ولا يمكن استبعاد ممثلي وسائل الإعلام من حضور جلسات المحاكمة، سواء بصفتهم الشخصية أو المهنية، ما دام عملهم منضبطًا بالأحكام الشرعية والأنظمة المرعية ومراعي للخصوصيات الفردية وحرمة الحياة الشخصية؛ لاعتبار أن واجب الصحافة إعلام الجمهور بمجريات الأحداث، وتحقيق مناط أوسع لمقصود العلنية ومصالحها العامة، مع مراعاة الحقوق الخاصة لأطراف القضية، خاصة وأن النصوص النظامية التي تحكم العلاقة بين القضاء ووسائل الإعلام واضحة وتتسم بالمرونة والسعة.
ويأتي ذلك أخذًا في الاعتبار بمبدأ علانية الجلسات الذي يكفل للجميع الاطلاع على سير المرافعة، وهو ما يجيز التحدث عنها بضوابطه المنصوص عليها، وإلا كان النص الوارد بشأن العلانية مفرغًا من محتواه حال منع النشر الإعلامي للمحاكمات مطلقًا، ولكن لا يعني هذا السماح بنقل خلاف ما دار من أحداث في المحاكمات العلنية.
وعندما يحدث خلاف ذلك عند النشر يكون المنع والعقوبة لهذا السبب وليس للنشر من حيث الأصل؛ لكونه جائزًا ابتداء، فالنشر الإعلامي له فوائد كثيرة منها المساهمة في نشر الرسالة العدلية وإحقاق النزاهة القضائية والشفافية القانونية، شريطة ألا يكون هناك أي تعليق أو نقد أو إبداء رأي مخالف للحصانة القضائية، واحترام الأحكام بدرجات تقاضيها وطريقة مداولاتها وعدم التشكيك فيها.
وأوصى الغيث بإقامة دورات مهنية مكثفة ومستمرة للإعلاميين المختصين بالشأن القضائي لتطوير مزاولة عملهم ومعرفة حدود حريتهم، وكذلك أوصى بالتوافق على ميثاق شرف إعلامي تتبناه هيئة الصحفيين يكون ملزمًا لجميع وسائل الإعلام.
صواباتحت رعاية الموقع . كوم
اترك تعليقاً