أصدرت المحكمة الإدارية في جدة قبل أعوام قليلة قرارًا بإلغاء قرار لجنة الفصل في الطعون الانتخابية والمتضمن إعادة الانتخابات في الدائرة الثالثة، ما أثار وقتها جدلاً واسعاً بين المهتمين في المجال العدلي وفي المجال المدني، لاسيما أن اللجنة دفعت فقط بعدم اختصاص المحكمة الإدارية في نظر هذا الموضوع.
ومستند هذا الدفع جاء بناءً على لائحة انتخاب أعضاء المجالس البلدية الصادرة بالقرار الوزاري رقم 11999 في 11/3/1432هـ في المادة الثامنة والثلاثين منها ونصّها (تختص لجنة الفصل بالنظر في الطعون التي يقدمها ذوو الشأن ضد القرارات والإجراءات التي تتخذها اللجان الانتخابية، والتحقق منها، وتفصل فيها، وتصدر قراراتها بالأغلبية وتكون مسببة، ونهائية، وتبت اللجنة في الطعون خلال خمسة أيام من تاريخ تقديمها إليها …).
ولكن بعض الفقهاء القانونيين رأوا أن هذا الاستناد في غير محله بسبب أن المراد بلفظ (نهائية) الواردة في نصّ اللائحة هو أنها لا تتطلب اعتماد من قِبل الوزير كما المعتاد في سائر اللجان شبه القضائية في الوزارات، وخصّت هذه اللجنة برفع سلطة الوزارة عنها في اعتماد قراراتها بدعوى حياديتها لكونها تتعلق بالشأن العام وهذا التخصيص في محله.
كما أن اعتبار اللجنة المذكورة غير داخلة تحت سلطان القضاء الإداري بموجب قرار وزاري أمر لا يسعفه اختصاص الوزارة أصلاً، إذ أن تحديد الاختصاص القضائي لا يثبت إلا بأمر أو مرسوم ملكي؛ لكون الوزارات ووزرائها جزء من السلطة التنفيذية، ومن المتعارف عليه شرعاً ونظاماً رفع يد السلطة التنفيذية عن التدخل في القضاء، ولو تم التسليم بأن مفهوم نصّ اللائحة يفيد بعدم جواز الاعتراض على قرار اللجنة في المحكمة الإدارية لكان هذا المفهوم لاغياً لخروجه عن اختصاص مصدر النص، وكل نصّ أو مفهوم صدر من غير مختص فلا عبرة به.
ومن الأسباب أيضًا أن اللجنة شكلت بقرار وزاري فتكون قراراتها في حكم قرارات من طابعها، وبما أن القرار الوزاري قابل للطعن لدى المحكمة الإدارية وفق الأصول النظامية، فكذلك فرع هذا القرار وهو ما صدر عن اللجنة في الطعن المقدم إليها.
بالإضافة إلى أن اللائحة التي يستند إليها من يرى عدم جواز الطعن على قرار اللجنة محكومة بما صدر في المرسوم الملكي رقم م/78 في 19/9/1428هـ المتضمن الموافقة على نظام ديوان المظالم، والذي جاء في المادة الثالثة عشر ما نصّه (تختص المحاكم الإدارية بالفصل في الآتي: … ب – دعاوى إلغاء القرارات الإدارية النهائية التي يقدمها ذوو الشأن، متى كان مرجع الطعن عدم الاختصاص، أو وجود عيب في الشكل أو عيب في السبب، أو مخالفة النظم واللوائح، أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها، أو إساءة استعمال السلطة، بما في ذلك القرارات التأديبية، والقرارات التي تصدرها اللجان شبه القضائية والمجالس التأديبية…..).
وتعد لجنة الطعون الانتخابية من اللجان شبه القضائية فتدخل في هذا النص، ولا تخرج منه إلا بقرار يحمل من القوة النظامية مثل ما يحمله هذا النص.
وإعادة هذا الأمر المهم في حياة الناس (الانتخابات) إلى القضاء الإداري ليس بدعًا من التنظيم والترتيب، وتعهد الكثير من الدول بشؤون الانتخابات إشرافًا وفصلاً في نزاعاتها إلى القضاء، وقد وضعت اللائحة هذه اللجنة كجزء من العملية الانتخابية لتقصير الطريق على الطاعن، إذ قد يتحقق مطلوبه من طعنه وتستجيب الوزارة لما قررته لجنة الطعون دون الحاجة إلى الرجوع للمحكمة الإدارية، ولو أن الوزارة لم تستجب لقرار لجنة الطعون لكان من حق الطاعن أن يتقدم بدعواه لدى المحكمة الإدارية لإلزام الوزارة بذلك بكل حال.
وتجدر الإشارة هنا إلى ضرورة سرعة البتّ في القضية من قِبل الدائرة مصدرة الحكم، فتأخير البتّ يترتب عليه الإضرار بمصالح الناس، ولذلك فقد نصّت اللائحة أن اللجنة تبتّ في جميع الطعون خلال مدة لا تزيد عن خمسة أيام من تاريخ تقديمها.
صواباتحت رعاية الموقع . كوم
اترك تعليقاً