بعد الحديث تفصيلًا عن أبرز مواد نظام مزاولة المهن الصحية وتوضيح مسؤوليات الممارس الطبي وكيفية ممارسته مهنته، وأن عمله لا يخلو من المساءلة حال إخلاله بواجباته العملية، سنتطرق في مقال اليوم بالحديث عن الخطأ الطبي واللجان الطبية الشرعية واختصاصها.
وبداية يُعرف الخطا الطبي بأنه (عدم قيام الطبيب أو الممارس الصحي بالالتزامات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته) وتعرفه المادة (27) من نظام مزاولة المهن الصحية الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم (م/59) بأنه (كل خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي وترتب عليه ضرر للمريض)، ومن هنا فالخطأ الطبي هو الخطأ المهني الصادر عن الممارس الصحي والذي يلزم التعويض للمريض لابد أن تتوافر فيه ثلاثة شروط كي يستحقه المريض أو ورثته.
وهو أيضًا الخطأ المهني الصحي الذي يصدر عن ممارس صحي وأن يكون ترتب عليه ضرر، كما أن العلاقة بين المريض والممارس ليست علاقة عقدية أو قانونية فقط بل هي علاقة إنسانية قبل ذلك تحتم على الممارس الصحي الالتزام بالعناية الطبية اللائقة للمريض والاهتمام بتقديم العلاج المناسب له، ومساءلته عن الأخطاء التي تصدر عنه أثناء مزاولته مهنته.
والممارس يعد مسؤولًا مسؤولية كاملة عن سلامة المريض، والمسؤولية المدنية تعني التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به أو ورثته نتيجة الخطأ الطبي شاملة الدية الشرعية وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام، ومن المعلوم فقهًا وقضاءً أن التزام الممارس هو التزام ببذل عناية وليس التزام بتحقيق غاية، فالتزامه هو التزام ببذل العناية الضرورية للمريض، وليس التزام بشفاء المريض لأن الشفاء من عند الله.
ويكون التزام الممارس ضمن التشريعات واللوائح والتعليمات الطبية التزامًا ببذل عناية وجهود صادقة ويقظة متفقة مع الأصول الطبية العلمية والفنية المقررة، ونصّت على ذلك المادة (26) من نظام مزاولة المهن الصحية، وهو مسؤول عما يستعمله من وسائل وعن نتائج تقصيره في الواجبات الاعتيادية سواءً بسبب عدم التروي أو الإهمال أو الجهل بالأشياء التي يجب أن يعرفها.
ومثًل إذا ارتكب الممارس أي خطأ طبي ونتج عنه ضرر للمريض فيترتب على ذلك قيام المسؤولية المدنية سواءً كانت تقصيرية أو عقدية عليه، وقد تكون الأخطاء الطبية ليست من جنس العمل الطبي (خطأ غير مهني) مثل ممارسة العمل الطبي دون ترخيص أو امتناع الممارس عن معالجة المريض أو عدم استعانة الطبيب بالمساعدين، وقد تكون الأخطاء الطبية من جنس العمل الطبي (المهنية) مثل الخطأ في التشخيص والإهمال فيه أو الخطأ العلمي الذي يقع فيه الممارس أو الخطأ في وصف العلاج.
أما الجهة المعنية باستقبال الشكاوى من الممارسين وأخطائهم فهي الهيئة الصحية الشرعية، وقد بينت المادة (33) من نظام مزاولة المهن الصحية واللائحة التنفيذية لها تكوين هذه الهيئة، إذ ذكرت أنها تكون على النحو التالي (قاض لا تقل درجته عن قاضي (أ) يعينه وزير العدل رئيسًا للهيئة ومستشار نظامي يعينة وزير الصحة، وعضو هيئة تدريس من إحدى كليات الطب، يعينه وزير التعليم العالي، وفي المنطقة التي ليس فيها كلية طب يعين الوزير بدلاً منه عضواً من المرافق الصحية المتوافرة في تلك المنطقة، وعضو هيئة تدريس في إحدى كليات الصيدلة يعينه وزير التعليم العالي، وفي المنطقة التي ليس فيها كلية صيدلة يعين الوزير بدلاً منه عضواً من المرافق الصحية المتوافرة في تلك المنطقة، طبيبان من ذوي الخبرة والكفاية يختارهما الوزير وصيدلي من ذوي الخبرة والكفاية يختاره الوزير، ويكون لهذه الهيئة أمين سر، يعينه الوزير، ويكون مقر الهيئة وزارة الصحة في الرياض).
كما يجوز إنشاء هيئات أخرى في المناطق كما بينت المادة (34) من النظام اختصاص الهيئات الشرعية؛ إذ تختص بالآتي (النظر في الأخطاء المهنية الصحية التي ترفع بها المطالبة بالحق الخاص “دية، تعويض، ارش” والنظر في الأخطاء المهنية الصحية التي ينتج عنها وفاة، أو تلف عضو من أعضاء الجسم، أو فقد منفعته أو بعضها حتى ولو لم يكن هناك دعوى بالحق الخاص).
ونصّت المادة (53) من نظام مزاولة المهن الصحية على أن تنعقد الهيئة الصحية الشرعية بحضور جميع أعضائها وتصدر قراراتها بالأغلبية على أن يكون من بينهم القاضي، ويجوز أيضًا التظلم من قرارات الهيئة أمام المحكمة الإدارية (ديوان المظالم) خلال ستين يوماً من تاريخ الإبلاغ بقرار الهيئة، كما نصّت الفقرة الأولى من المادة ذاتها على أن من لحقه ضرر من الخطأ الطبي محل الادعاء ولوارثه من بعده أن يطالب بحقه الخاص مهما بلغ مقداره أمام الهيئة الصحية الشرعية التي تنظر الدعوى.
كما نصّت المادة (35) الفقرة (3) من اللائحة على سماع الهيئة دعوى المدعي العام والمدعي بالحق الخاص، ولكل طرف من الأطراف التعقيب على أقوال الطرف الآخر ثم توجه الهيئة إلى المدعى عليه المخالفات المنسوبة إليه في الجلسة وتسأله الجواب، فإذا أنكر أو امتنع عن الإجابة فعلى الهيئة أن تنظر في الأدلة المقدمة وتجري ما تراه لازمًا بشأنها، ولكل من الخصوم أن يطلب سماع من يرى من الشهود والنظر فيما يقدمه من أدلة، ولأي من الخصوم أن يقدم إلى الهيئة ما لديه مما يتعلق بالقضية مكتوباً ليضم إلى ملف القضية.
وجاء في الفقرة الرابعة من المادة ذاتها أن تصدر الهيئة قراراً بعدم إدانة المدعى عليه أو إدانته، وتوقع العقوبة عليه وفي كلتا الحالتين تفصل الهيئة في الطلب المقدم من المدعي بالحق الخاص، ويجب أن يكون قرار الهيئة مسبباً مدعماً بإسناد جميع وقائع وحيثيات قرارها إلى النصوص النظامية المتعلقة بها.
وجعلت الفقرة الخامسة من المادة (35) للمدعي بالحق الخاص أن يقدم إلى رئيس الهيئة الصحية الشرعية أثناء نظر الدعوى أو بعد إحالتها إلى الهيئة مباشرة دعوى عاجلة لمنع خصمه من السفر، وعلى رئيس الهيئة أن يصدر أمراً بالمنع إذا رأى مبررًا لذلك.
وبيّنت الفقرة السادسة كيفية المثول والحضور أمام اللجنة، والغياب عن الجلسات، كذلك بيّنت الفقرة السابعة إجراءات الفصل في الدعوى حال غياب المدعى عليه رغم إبلاغه بالموعد، كما أوضحت المادة السابعة والثلاثون أنه لا تسمع الدعوى بالحق العام بعد مضي سنة من تاريخ العلم بالخطأ المهني الصحي، كما أنه لا يجوز تنفيذ قرارات اللجنة إلا بعد مرور ميعاد التظلم المحدد دون اعتراض أو بعد صدور حكم نهائي من الديوان.