التحكيم في النظام السعودي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، اما بعد : ذكر المحامي والدكتور تفصيلا حول موضوع التحكيم في النظام السعودي وفيما ياتي اهم ماذكر فيها : 

مفهوم التحكيم:
وهو يتمثل في عرض نزاع معين بين طرفين على محكم يعين باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها ليفصل هذه المحكم فى ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة مجرداً عن التحامل وقاطعاً لدابر الخصومة فى جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية.

 

فالتحكيم إذن مبناه ومصدره الاتفاق الذي يحدد طرفاه نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تعرض لهما، واليه ـ أي إلى هذا التحكيم الاتفاقية ـ ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون عند البت في هذه المسائل، ويلتزم المحتكمون بالنزول على القرار الصادر فيه وتنفيذه تنفيذاً كاملاً وفقاً لفحواه، فيؤول التحكيم بذلك وينحل إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل فى نزاع وركيزتها اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم فيتولون مهامهم بإسناد من الدولة.
التحكيم عند العرب قبل الإسلام :
وفي العصر الجاهلي كان المحكم متواجد في أماكن تواجد الناس و في وسط البلد آنذاك حيث كان ينصب له مكاناً معروفاً يأتي إليه أناس معروفين و مشهورين لدى العامة بممارسة مهنة التحكيم التطوعي إن صح التعبير . و منذ ظهور الإسلام أقر النبي صلى الله عليه و سلم التحكيم من ضمن ما أقر من الأفعال المحمودة في الجاهلية من العادات و التقاليد ، و النبي صلى الله عليه و سلم هو أول محكم في الإسلام ( في قضية الحجر الأسود ) ، وقد قبل النبي صلى الله عليه و سلم تحكيم أبو بكر بينه و بين زوجته عائشة رضي الله عنها ،، و قصة أبا الحكم سماه النبي صلى الله عليه و سلم أبا هاني حيث أنه كان يحكم في الجاهلية فسأله النبي صلى الله عليه و سلم هل لك من ولد غيره قال هاني فسماه أبا هاني .

كان الظلم والجهل والعدوان منتشرا وسائدا في مناحي الحيلة كلها في الجزيرة العربية، ولا يوجد نظام حكم منصف في حل المنازعات والخصومات، وكانوا يلجئون إلى حلها عن طريق النظام القبلي والعشائري الذي كان سائدا، متمثلا في شيخ القبيلة الذي كان يتمتع بدعم معنوي ومادي من أبناء قبيلته.

كما كانوا يفزعون في بعض الخصومات إلى الكهان والعرافين، أو إلى الأصنام وسدنتها، وأضحى الوضيع محكوما، والشريف خارجا عن دائرة نظام وسيادة الحكم.
التحكيم في الجاهلية لا يلزم الأطراف بقبوله ، فلا عبره للتحكيم إلا إذا رضي به الطرفان .
نظام القضاء الحكم فيه للقاضي وقبول الحكم إلزامي وذلك لأنه مستند على شرع الله وقوته وسلطة الدولة .
وازدهر التحكيم قبل الإسلام عند العرب وبرز عديد من المحكمين حيث أن كل قبيلة لها محكميها فقد كان التحكيم معروفاً عند العرب 

قال اليعقوبي: كان للعرب حكام ترجع إليها في أمورها وتتحاكم في مناظراتها ومواريثها ومياهها ودمائها لأنه لم يكن دين يرجع إلى شرائعه فكانوا يحكمون أهل الشرف والصدق والأمانة والرئاسة والسن والمجد والتجربة.( الدوري , 1405هـ, ص16)

وكان المحكوم عليه عند العرب يخضع وينفذ حكم التحكيم تحت سلطة التأثير الأدبي ، أو العرف ، أو سلطان الرأي العام ، أو يخشى عاقبة الاقتتال . وهناك نماذج كثيرة من اللجوء إلى التحكيم عند العرب سواء في معرفة الأجود شعراً ، أو في حالة المناظرة بينهما ، أو في حالة نزاع ، وكانت أبرز قضية قبل الإسلام حكم فيها رسولنا العظيم عليه الصلاة والسلام هي في( رفع الصخرة المشرفة ) إلى مكانها عندما اختلفت قبائل قريش عليها في حينه

التحكيم في الخصومات والمفاخرات بالأحساب والشجاعة وعرض الشعر والخطب .
وكان العرب ينتقلون في تلك الأسواق فى أشهر السنة ,ولكنها قد تكون خاصة للقبائل القريبة من مكان الاجتماع مثل سوق هجر بالبحرين , ودومة الجندل بالشام وهناك أسواق فى صنعاء وعمان وحضر موت وعدن والشجر والأبلة و الأنبار .

وقد تكون عامة :وأعظم هذه الأسواق عكاظ ,وكانت تحرص القبائل العربية كلها على شهودها , وتقع شرقى الطائف بنحو 25ك, وبدأ الاجتماع فيها بعد عام الفيل بخمس عشرة سنة وظل بعد ظهور الإسلام حينا

وكان يبدأ الاجتماع فيها أول ذى القعدة من كل سنة وينتهى فى العشرين منه حيث ينفرط عقده وتعود القبائل إلى مواطنها التي وفدت منها إلا من كان يرغب في الحج فإنه ينتقل لإلى سوق مجنة بالقرب من مكة حيث كانوا يجتمعون فيها حينا ثم يرحلون إلى ذي المجاز بالقرب من جبل عرفات فيقيمون فيها حتى يبدأ موسم الحج ثم يدخلون مكة لحج البيت الذي يعظمه الجميع .

وكانت هذه الأسواق وبخاصة عكاظ مجالا خصبا للخطابة والشعر حيث تقدم القبائل من اشتهر بينها بالفصاحة والبلاغة من الشعراء وأرباب البيان للتفاخر بينهم .
وكان الفصحاء يحكمون لأفضل من في السوق من الخطباء والشعراء في كل عام .
وقد انتهت رياسة التحكيم إلى النابغة الذبيانى , وكانت تضرب له قبة فى السوق , يجلس فيها ويقدم إليه الشعراء والخطباء فيحكم للمجيدين منهم
أشهر المحكمين العرب :
و اشتهر عند العرب الكثير من المحكمين اذكر منهم:
الأقرع بن حابس ، جابر بن زرارة ، وأكثم بن صيفي ، وعبدالمطلب بن هاشم ، خزام بنت الرمان .

التحكيم في النظام السعودي :
التحكيم في الأصل هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكمين من الغير يتم تفويضهم بإرادة الطرفين أو بتفويض منهما في ضوء شروط محددة.
ولا يكاد يخلو أي عقد من الترخيص باستخدام أي من مجالات الملكية الفكرية صناعية كانت أو أدبية أو فنية في صورة علامات تجارية أو غيرها أو برامج حساب أو وسائط فنية أو خلافها من النص على طريقة تسوية المنازعات التي قد تنشأ عن مثل هذه العقود التي يتصدرها بصفة أساسية نظام التحكيم سواء على المستوى المحلي أو الدولي، فضلاً على أن نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم 46 وتاريخ 12/07/1403هـ لا يحول دون خضوع المنازعات الخاصة بالملكية الفكرية، وهو الأجدى إذا ما كانت المنازعة تتسم بطابع الدولية وفي حاجة إلى سرعة في الوقت، وسرية تامة، وأشخاص متخصصين.
نظــــــام التحكيــــــم السعودي
صدر هذا النظام بالمرسوم الملكي رقم م/46 في 12/7/1403هـ
مادة ( 1 ) : يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين قائم ، كمــا يجوز الاتفاق مسبــقا على التحكيم في أي نزاع يقوم نتيجة لتنفيذ عقد معين .
مادة ( 2 ) : لا يقبل التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ولا يصح الاتفاق على التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف .
مادة ( 3 ) : لا يجوز للجهات الحكومية اللجوء للتحكيم لفض منازعاتها مع الآخــــرين إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء . ويجوز بقرار من مجلس الـــوزراء تعديل هذا الحكم .
مادة ( 4 ) : يشترط في المحكم أن يكون من ذوي الخبرة ، حسن السيرة والسلوك ، كامل الأهلية وإذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً .
مادة ( 5 ) : يودع أطــراف النزاع وثيقة التحكيم لـــدى الجهة المختصة أصـــلاً بنظر النزاع ويجب أن تكون هذه الوثيقة موقعـــة من الخصـــوم أو من وكـــلائهم الرسميين المفوضين ومن المحكمين ، وأن يبين بها موضوع النزاع وأسماء الخصـــوم وأسماء المحكمين وقبولهم نظر النزاع وأن ترفق بها صور من المستندات الخاصة بالنزاع.
مادة ( 6 ) : تتولى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع قيد طلبات التحكيم المقدمة إليها وتصدر قراراً باعتماد وثيقة التحكيم .
مادة ( 7 ) : إذا كان الخصوم قد اتفقوا على التحكيم قبـــل قيام النزاع أو إذا صـــدر قـــرار باعتماد وثيقة التحكيم في نزاع معين قائم فـــلا يـــجوز النظر في موضوع النزاع إلا وفقاً لأحكام هذا النظام .
مادة ( 8 ) : يتولى كاتب الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع كافة الإخطارات والإعلانات المنصوص عليها في النظام.
مادة ( 9 ) : يجب الحــكم في النزاع في الميعـــاد المحدد في وثيقـــة التحكيم مـا لــم يتفق على تمديده وإذا لم يحدد الخصـــوم في وثيقة التحكيم أجلاً للـــحكم وجـــب علــــى المحـــكمين أن يصدروا حكمهم خـــلال تسعين يوماً من تاريـــخ صـــدور القــــرار باعتـــماد وثيقة التحكيم وإلا جــــاز لــــمن شـــاء من الخصوم رفـــع الأمــــر إلى الجهـــــة المختصــــة أصــــلاً بنظر النزاع لتقــــرر إما النظر في الموضـــوع أو مـــد الميعاد لفترة أخرى .
مادة ( 10 ) : إذا لم يعـــين الخصــوم المحكمين أو امتنع أحد الطرفين عن تعيين المحكم أو المحكمين الذين ينفرد باختيارهم أو امتنع واحد أو أكثر من المحكمين عن العمل أو اعتزله أو قام به مانع من مباشرة التحكيم أو عزل عنه ولم يكن بين الخصــــــوم شرط خاص عينت الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع من يلزم من المحكمين وذلك بناء على طلب من يهمه التعجيل من الخصوم ويكون ذلك بحضور الخصم الآخر أو في غيبته بعد دعوتـــه إلى جلسة تعقـــد لهذا الغرض ويجـــــب أن يكون عــدد مــــن يعينون مساوياً للعدد المتفـــق عليه بين الخصـــوم أو مكملاً له ويكون القرار في هذا الشأن نهائياً .
مادة ( 11 (لا يجوز عزل المحكــم الابتراضي الخصـــوم ويجــوز للمحــــكم المعزول المطالبة بالتعويض إذا كــان قد شرع في مهمته قبـــل عـزله ولم يكن العزل بسبب منه كما لا يجوز رده عن الحكـــــم إلا لأسباب تحــــدث أو تظهـــر بعد إيـــداع وثيقة التحكيم .
مادة ( 12 ) : يطلب رد المحكم للأسباب ذاتها التي يرد بها القاضي ويــــرفع طلب الـــرد إلى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع خلال خمسة أيام من يوم أخبار الــــخصم بتعيين المحكم أومن يوم ظهور أو حدوث سبب من أسباب الرد ويحكم في طلب الرد بعد دعوة الخصوم والمحكم المطلوب رده إلى جلسة تعقد لهذا الغرض .
مادة ( 13 ) : لا ينقضي التحكيم بـــموت أحـــد الخصوم وإنما يمد الميعــــاد المحدد للحـــكم ثلاثين يوماً ما لم يقرر المحكمون تمديد المدة بأكثر من ذلك .
مادة ( 14 ) : إذا عين محكم بدلاً عن المحكم المعزول امتد الميعاد المحدد للحكم ثلاثين يوماً .
مادة ( 15 ) : يجوز للمحكمين بالأغلبية التي يصدر بها الحكم وبقرار مسبب مد الميعاد المحدد للحكم لظروف تتعلق بموضوع النزاع .
مادة ( 16 ) : يصدر حكم المحكمين بأغلبية الآراء وإذا كانوا مفوضين بالصلح وجب صدور الحكم بالإجماع .
مادة ( 17 ) : يجب أن تشتمل وثيقة الحكم بوجه خاص على وثيقة التحكيم وعلى ملخص أقوال الخصوم ومستنداتهم وأسباب الحكم ومنطوقة وتاريخ صدوره وتوقيعات المحكمين وإذا رفض واحد منهم أو أكثر التوقيع على الحكم أثبت ذلك في وثيقة الحكم .
مادة ( 18 ) : جميع الأحكام الصادرة من المحكمين ولو كانت صادرة بإجراء من إجراءات التحقيق يجب إيداعها خلال خمسة أيام لدى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع وإبلاغ الخصوم بصور منها . ويجوز للخصوم تقديم اعتراضاتهم على ما يصدر من المحكمين إلى الجهة التي أودع لديها الحكم خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إبلاغهم بأحكام المحكمين وإلا أصبحت نهائية .
مادة ( 19 ) : إذا قدم الخصوم أو أحدهم اعتراضاً على حكم المحكمين خلال المدة المنصوص عليها في المادة السابقة تنظر الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع في الاعتراض وتقرر إما رفضه وتصدر الأمر بتنفيذ الحكم أو قبول الاعتراض وتفصل فيه .
مادة ( 20 ) : يكون حكم المحكمين واجب التنفيذ عندما يصبح نهائياً وذلك بأمر من الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع ويصدر هذا الأمر بناء على طلب ذوي الشأن بعد التثبت من عدم وجود ما يمنع من تنفيذه شرعاً .
مادة ( 21 ) : يعتبر الحكم الصادر من المحكمين بعد إصدار الأمر بتنفيذه حسب المادة السابقة في قوة الحكم الصادر من الجهة التي أصدرت الأمر بالتنفيذ .
مادة ( 22 ) : تحدد أتعاب المحكمين باتفاق الخصوم ويودع ما لم يدفع منها لهم خلال خمسة أيام من صدور القرار باعتماد وثيقة التحكيم لدى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع ويصرف خلال أسبوع من تاريخ صدور الأمر بتنفيذ الحكم .
مادة ( 23 ) : إذا لم يوجد اتفاق حول أتعاب المحكمين وقام نزاع بشأنها تفصل فيه الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع ويكون حكمها في ذلك نهائياً مادة ( 24 ) : تصدر القرارات اللازمة لتنفيذ هذا النظام من رئيس مجلس الوزراء بناء على اقتراح من وزير العدل بعد الاتفاق مع وزير التجارة ورئيس ديوان المظالم.
مادة ( 25 ) : ينشر هذا النظام في الجريدة الرسمية ويعمل به بعد ثلاثين يوماً من تاريخ نشره .

ملاحظات خاصة بالنظام :
إن مواد نظام التحكيم السعودي، لا تمانع في خضوع منازعات الملكية الفكرية لنصوصه، وخاصة أنه تم النص في ذلك في المادة الأولى من نظام التحكيم السعودي، كما أن نظام التحكيم لم يستثن من الخضوع لأحكامه إلا المنازعات التي لا يجوز الصلح فيها مثل الحدود واللعان بين الزوجين، وهذه معلومة ومحددة في نظام التحكيم مثل منازعات الملكية الفكرية.
أما منازعات الملكية الفكرية فهي غير مستثناة من الخضوع لنصوصه، كما نصت المادة السادسة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم السعودي على تعيين المحكمين باتفاق الخصوم في وثيقة تحكيم يُحدد فيها موضوع النزاع تحديداً دقيقاً، وبما يُفهم خضوع منازعات الملكية الفكرية لأحكامه.

تقييم نظام التحكيم السعودي :
دراسة حول نظام التحكيم السعودي بين الواقع و المأمول و لخصت إلى عدة نتائج هي :
أولاً : لم يتناول هذا النظام تحديد المقصود ببعض الألفاظ والعبارات المستخدمة فى نصوصه, مثل لفظ “التحكيم”، و”الخصوم”، وعبارة ” هيئة التحكيم” و”الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع”.

ثانيًا : ينصرف لفظ ” التحكيم” في حكم هذا النظام إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة. ويؤكد ذلك نص المادة الأولى من النظام ذاته التي تقضي بأنه ” يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين قائم ، كما يجوز الاتفاق مسبقاً على التحكيم في أي نزاع يقوم نتيجة لتنفيذ عقد معين”. فهذا النص قاطع الدلالة على حصر نطاق تطبيق النظام في دائرة التحكيم الاختياري كما هو الحال في أغلب الأنظمة القانونية.

ثالثًا : يستوعب نظام التحكيم في المملكة العربية السعودية صورة التحكيم النظامي أو اللائحي, إذ يتفق الأطراف على التحكيم وفقًا لنظم أو لوائح إحدى هيئات أو مراكز التحكيم الدائمة، وتصبح إجراءات وسير عملية التحكيم منوطة بلائحة أو نظام الهيئة أو مركز التحكيم الذي اختاره الأطراف. وفي المقابل لا يستوعب هذا النظام صورة التحكيم الخاص, حيث تستقل إرادة أطرافه بتنظيمه ووضع إجراءاته. فهو تحكيم تلقائي لا تشرف عليه جهة معينة، ولا يتم في كنف مركز تحكيم دائم، فالأمر من بدايته حتى نهايته يتم وتدار دفته بواسطة الخصوم.

رابعًا : يسري هذا النظام على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون الخاص, كما يسري على أشخاص القانون العام بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء, مع حظر تفويض هذه السلطة.

خامساً : يسري هذا النظام على التحكيم الذي يجري في المملكة أيًا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع, كما يسري على التحكيم الذي يجري خارج المملكة متى اتفقت أطراف النزاع على إخضاعه لهذا النظام, باعتباره قانون إرادة الأطراف.

سادسًا : خلا نظام التحكيم من تحديد نطاق سريان أحكامه من حيث الزمان, بحيث يسري كما نصت المادة الأولى من قانون التحكيم المصري على كل “تحكيم قائم وقت نفاذه أو يبدأ بعد نفاذه ولو استند إلى اتفاق سبق إبرامه قبل نفاذ هذا القانون”.

سابعًا : خلا نظام التحكيم كذلك من تحديد نطاق سريان أحكامه من حيث المكان؛ لأن نصوصه صيغت مع إيلاء الاعتبار للتحكيم الداخلي , ولذلك لم تحدد متى يعتبر التحكيم تجاريا ودوليا كما هو الحال في أغلب الأنظمة القانونية.

ثامنًا : في مقابل اهتمام المملكة بالتحكيم الداخلي – على غرار أغلب التشريعات المقارنة – جاء اهتمامها بالتحكيم التجاري الدولي قاصرًا ومحدودًا، مما أثار صعوبة كبيرة أمام المهتمين بهذا الموضوع، تتمثل في معرفة متى يكون التحكيم دوليا, وما هو المعيار الذي يمكن الاعتماد عليه للتمييز بين التحكيم الداخلي والدولي، مما تنجم عنه صعوبات أخرى تتعلق بالإجراءات التي تخضع لها أحكام المحكمين.

تاسعًا : ينظر هذا النظام إلى التحكيم على أنه قضاء خاص يسلب جزءاً من الولاية العامة لقضاء الدولة, ولذلك يمثل طريقًا استثنائيًا للفصل في المنازعات, ويتعين بالتالي إخضاعه لرقابة قضائية واسعة النطاق. وتتضح مظاهر تلك الرقابة في وجوب إيداع وثيقة التحكيم لدى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع (مادة 5), واختصاصها بقيد طلبات التحكيم وإصدار قرار باعتماد وثيقة التحكيم (مادة 6), و تعيين المحكم أو المحكمين إذا لم يعين أو يعينوا بواسطة الخصوم ، أو امتنع أحد الطرفين عن تعيين المحكم ، أو المحكمين الذين ينفرد باختيارهم ، أو امتنع واحد أو أكثر من المحكمين عن العمل أو اعتزله ، أو قام به مانع من مباشرة التحكيم ، أو عزل عنه (مادة 10), وتقدير أتعابهم (المواد 22, 23). وتتولى علاوة على ذلك كافة الإخطارات والإعلانات المنصوص عليها في هذا النظام (مادة 8), كما تتولى نظر النزاع إذا لم يصدر المحكم أو المحكمون حكمهم خلال تسعين يوماً من تاريخ صدور القرار باعتماد وثيقة التحكيم, ما لم يتفق على تمديده (مادة 9). ويلزم اعترافها بقرار التحكيم (مادة 8) ونفاذه (المواد 18- 20).

عاشرًا : لم يتطرق نظام التحكيم السعودي إلى استقلال شرط التحكيم، الأمر الذي يوجب على أطراف العقد وضع شرط التحكيم في اتفاق منفصل، أو أن يقوموا بالتوقيع عليه مستقلا على هامش العقد الأصلي مع التأكيد على استقلاليته بالنسبة لبقية شروط العقد, و إلا أدى بطلان أو فسخ أو إنهاء هذا العقد إلى التأثير على شرط التحكيم.

حادي عشر : لم يتطرق هذا النظام إلى تعريف اتفاق التحكيم, ومع ذلك تحرص نصوصه على ضرورة أن يكون مكتوباً. وتقرر أنه يكون كذلك إذا ورد في وثيقة موقعة من الخصوم أو من وكلائهم الرسميين المفوضين ومن المحكمين. ونتيجة لذلك يصعب التوسع في مفهوم الكتابة لتشمل أية وسيلة أخرى من وسائل الاتصال تبادلها الطرفان بعدما حصرها هذا النظام في المحرر بين الطرفين.

ثاني عشر: لم يشترط نظام التحكيم في المحكم معرفة القراءة والكتابة, ويجيز مع ذلك أن يرأس هيئة التحكيم شخص مطلوب منه أن يطبق قواعد إجرائية وموضوعية تضمنها نظام التحكيم في حين أن ثقافته لا تساعده على الفهم الصحيح للنص وتفسيره وتطبيقه, خصوصًا في عصر لم تعد فيه معرفة العلوم القانونية بالمهمة السهلة.

ثالث عشر: لم يستلزم نظام التحكيم في المملكة بيانات معينة في شرط أو مشارطة التحكيم، فلا توجد نصوص تحدد بيانات إلزامية، إلا بالنسبة لمشارطة التحكيم فقط بالنسبة لبيان تحديد “موضوع النزاع”، إذ الافتراض أن المشارطة هي اتفاق تحكيم لاحق على قيام النزاع، مما يتحتم معه تحديد دقيق للمسائل المختلف عليها والمراد طرحها على التحكيم. ويترتب البطلان على عدم تحديد موضوع النزاع.

رابع عشر: لم ينص نظام التحكيم على وجوب إجراء التحكيم في مكان معين، ولكن توجد نصوص خاصة تشترط عمليًا إجراء التحكيم في السعودية، مثل عدم قبول وزارة التجارة السعودية تسجيل أي شركة مساهمة أو عقد تمثيل تجاري يتضمن شرطاً تحكيمياً ينص على إجراء التحكيم خارج المملكة.

وضع نظام التحكيم السعودي أربع قواعد تحول دون تعطيل عملية التحكيم:
القاعدة الأولى: إذا تخلف أحد الأطراف عن تسمية محكمة قامت المحكمة بتسميتها بناء على طلب الطرف الآخر إذا كان تحكيم حالات خاصة، أو أن يقوم رئيس الغرفة التجارية بذلك إذا كان التحكيم نظامياً ونابعاً من شرط تحكيمي سابق، أما إن كان التحكيم نابعاً من شرط تحكيمي لاحق فلابد من مصادقة المحكمة عليه وعلى أسماء المحكمين.
القاعدة الثانية: يتم إبلاغ الطرف المتغيب بالإخطارات والإعلانات عن سير التحكيم.
القاعدة الثالثة: عدم قابلية المحكمين للرد إلا للأسباب التي يرد بها القضاة.
القاعدة الرابعة: نفاذ قرار التحكيم في مواجهة الطرف التي تخلف عن الحضور بشرط أن يكون قد تم إعلانه لشخصه أو أعلن إداريا وتم إعادة إعلانه أو أن يكون قد حضر إحدى الجلسات أو قدم مذكرة بدفاعه أو مستندات، وأن يكون إعلانه بالصحيفة قد وقع صحيحا.

التحكيم في الأصل هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكمين من الغير يتم تفويضهم بإرادة الطرفين أو بتفويض منهما في ضوء شروط محددة.
و لتفعيل العمل بنظام التحكيم السعودي أورد التوصيات التالية :
أولاً : أهمية ضبط الألفاظ والعبارات المستخدمة في نصوص هذا النظام على ضوء قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي بالصيغة التي اعتمدتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي في 21 يونيه 1985، وعدلتها في يوليه 2006.
ثانيًا : لما كان نظام التحكيم رقم م/46 وتاريخ 12/7/1403 هـ معدًا بحسب الأصل للتحكيم الداخلي، فإنه عندما تغير الاتجاه وأصبح لازمًا أن يحكم نوعي التحكيم الداخلي والدولي، وجب أن تجرى التعديلات اللازمة التي تتناسب وشموله كافة أنواع التحكيم. لذا وجب مراعاة ذلك عند أي تدخل تنظيمي في المستقبل، بحيث يسلك المنظم السعودي منهج التشريعات المتقدمة التي تميز بين كل من التحكيم الداخلي والتحكيم التجاري الدولي من حيث القانون الواجب التطبيق على الإجراءات والموضوع، وذلك نظرًا لما بين نوعي التحكيم من تفاوت يتطلب من المنظم أن يقرر صراحة تطبيق قواعد النظام السعودي على التحكيم الداخلي ما لم يكن المحكم مفوضًا بالصلح.
ثالثًا : تبدل النظرة إلى التحكيم من كونه طريقًا استثنائيًا لفض المنازعات بين الخصوم إلى كونه نظاماً كاملاً ومستقلاً للفصل في تلك المنازعات لا سيما فيما يتعلق منها بالمعاملات الاقتصادية الدولية. وتتجلى مظاهر هذا الاستقلال في اختصاص هيئة التحكيم بنظر طلبات رد أعضائها, والفصل في الدفع بعدم اختصاصها, والدفوع المتعلقة بوجود وصحة اتفاق التحكيم أو بالتشكيل الصحيح لهيئة التحكيم أو بشمول اتفاق التحكيم موضوع النزاع, وإصدار القرارات الخاصة باتخاذ التدابير التحفظية والوقتية, ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.
رابعًا : حصر سلطة قضاء الدولة في الرقابة على التحكيم في أضيق الحدود الممكنة، وتغير فلسفة هذه السلطة من الرقابة إلى المساعدة, واقتصارها فقط على مراجعة شروط تنفيذ أحكام المحكمين قبل إصدار الأمر بتنفيذها، ومعاونة القضاء للتحكيم في الحالات التي تقتضي التمتع بسلطة الأمر التي لا يتمتع بها المحكم كإجبار شاهد على الحوار أمام المحكم أو إجبار الغير على تقديم مستند تحت يده، وتدخل القضاء في الحالات التي تتسبب في تعثر عملية التحكيم مع عدم اتفاق الخصوم على مواجهتها كامتناع الخصوم عن تسمية المحكم أو امتناع المحكم عن مباشرة عمله أو عزل المحكم أو رده بعد رفضه طلب الرد المقدم له، وكل هذه الأمور لا تمس سيادة القضاء ولا مكانته وتعمل على سرعة إنهاء النزاع والفصل فيه.

خامسًًا : إعلاء مبدأ سلطان إرادة طرفي التحكيم وذلك بإتاحة الحرية لهما بتنظيمه بالكيفية التي تناسبهما. فالحرية هي عماد نظام التحكيم إذا فقدها فقد هويته, وكلما زاد مقدار الحرية التي يهيئها النظام لطرفي التحكيم كلما زادت ثقتهما فيه واطمئنانهما إلى الحكم الذي ينتهي إليه.

سادسًا: النص في نظام التحكيم على عدم جواز امتناع المحكم عن أداء مهمته لغير عذر, وأنه في حالة إقدامه على أي فعل أو امتناع وقع بمناسبة أدائه لمهمته, يكون مسؤولاً عن جميع الأضرار المترتبة على ذلك كالتأخير وغيره متى ثبتت سوء نيته.

سابعًا: النص في نظام التحكيم على أسباب التنحي وأسباب الرد للمحكم لكي لا يترك الأمر للاجتهاد وبعد ذلك يقع الخلاف في تفسير النصوص والحاجة للبت في ذلك عن طريق الجهة المختصة وما يترتب على ذلك من تأخير في البت في النزاع.

ثامنًا: إضافة نص يتضمن إلزام طرفي التحكيم بإيداع أتعاب التحكيم المتفق عليها لدى أحد البنوك على أن يتولى رئيس هيئة التحكيم السحب منها حسب مراحل التحكيم ، وعلى أن يسحب الباقي بعد إيداع الحكم بمعرفته أو بعد تسليم صورة هذا الحكم إلى أحد الخصوم مقابل إيصال.

تاسعًا: تحديد شروط الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها في المملكة العربية السعودية.

عاشرًا : الاعتراف بوسائل الاتصال الحديثة كوسائل للاتفاق على التحكيم, بمعنى أنه يجوز الاعتراف بصحة اتفاق التحكيم في أي شكل” باعتباره يعادل “الكتابة التقليدية”. ويجوز إبرام اتفاق التحكيم بأي شكل (كأن يكون شفويا) مادام مضمون الاتفاق مسجلا. وهذه القاعدة الجديدة هامة من حيث إنها لم تعد تشترط توقيع الطرفين أو تبادل رسائل بينهما. وهي تضفي الطابع العصري على الصيغة التي تشير إلى استخدام التجارة الإلكترونية من خلال اعتماد صيغة مستوحاة من قانون الأونسيترال النموذجي بشأن التجارة الإلكترونية لعام 1996 واتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام الخطابات الإلكترونية في العقود الدولية.

اترك ردّاً

Call Now Buttonاتصل الآن