فسخ عقد النكاح وبطلانه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد عليه وعلى أله أفضل الصلاة وأزكى التسليم أما بعد : ذكر المحامي والموثق تفصيلا حول موضوع فسخ عقد النكاح وبطلانه وفيما ياتي اهم ماذكر فيها :

فسخ عقد النكاح وبطلانه

قدمنا طريقين لإنهاء عقد الزواج‏:‏ الطريق الأول هو الطلاق، وهو إنهاء عقد الزواج من قبل الرجل والطريق الثاني هو الفراق ‏(‏الخلع‏)‏ وهو طلب إنهاء المرأة‏.‏ الآن نأتي إلى طريق ثالث لإنهاء عقد الزواج وهو الفسخ أو البطلان‏.‏ وهذا الطريق ليس من قبل الرجل أو المرأة ولكنه يحصل لوجود فساد في عقد النكاح وهذا الفساد إما أن يكون موجوداً من الأصل ولم يتفطن إله وإما أن يطرأ الفساد على العقد‏.‏ وكذلك يتأتى فساد العقد وبطلانه أيضاً باكتشاف عيوب في أي من الزوجين تفسد أو تلغي آثار الزواج‏.‏

وإليك تفصيل هذا الإجمال‏:‏

أولاً‏:‏

‏(‏أ‏)‏ اكتشاف الزوجين في أحدهما كان محرماً للآخر كأن يكونا قد اجتمعا في الرضاعة على ثدي واحد ‏(‏أمها أو أمه، أو امرأة أخرى‏)‏ فإذا اكتشف الزوجان ذلك كان باطلاً لأن العقد على المحارم باطل، وهما معذوران عند الله فيما سلف لجهلهما ولا يعذران بعد ذلك بالاستمرار وبالطبع يترتب على ذلك أن لا يسترد الزوج شيئاً من محرمته التي انفصل عنها كزوج، وأولاده ينسبون إليه‏.‏

‏(‏ب‏)‏ أن يكتشف الزوجان أن نكاحهما كان نكاحاً باطلاً لنهي الشرع عنه كأن يكون نكاح تحليل أو نكاح متعة وقد قدمنا أدلة فساد هذه الأنكحة سابقاً‏.‏ فإذا اكتشف الزوجان ذلك كان لهما الاستمرار بعقد جديد في نكاح المتعة والتحليل وأما نكاح الشغار ففيه للعلماء خلاف معروف‏.‏

‏(‏ج‏)‏ أن تكون الزوجة قد زوجها وليها ‏(‏أبوها أو غيره ممن تصح منه الولاية‏)‏ وهي صغيرة لم تبلغ ومثل هذه لا يعتد بموافقتها في عقد النكاح وحيث أن التراضي من شروط العقد كما مر بك فإن لهذه الزوجة إذا بلغت أن تطلب فسخ عقد النكاح لأنها وقت العقد كانت صغيرة وقد زوجت بغير إرادتها أو أن إرادتها في ذلك الوقت لا يعتد بها‏.‏ ويلحق في هذا الشأن ما لو كانت الفتاة قد أجبرت على الزواج بغير رضاها فإن لها فسخ عقد النكاح، ولها أن توافق على دوامه إن شاءت‏.‏

وهذه الأمور التي قدمناها آنفاً كلها من باب واحد لأن العقد فيها جميعاً باطلاً أو فاسداً من أساسه ولكنه لما وقع بجهل كان هذا عذراً فإذا ارتفعت الجهالة وجب فسخ عقد النكاح والتفريق بين الزوجين إلا فيما يمكن استئنافه كما قدمنا‏.‏

ثانياً‏:‏ القسم الثاني مما يوجب الفسخ هو اكتشاف عيب مخفي جحده أحد الزوجين أو أولياؤهما عند العقد‏.‏‏.‏ وقد اختلف فقهاء الإسلام في العيوب الشرعية التي توجب الفسخ في الزوجين وما يجب أن يصار إليه ولا يختلف فيه هو الجنون والمرض ‏(‏الساري‏)‏ وكون الرجل ليس ذكراً بمفهوم الذكورة أي عنّيناً، وكون الأنثى ليس أنثى بمفهوم الأنوثة أي فيها ما يمنع الاجتماع، وثمة عيوب أخرى فيها مجال للاختلاف كنتن الفم والمخارج‏.‏ والحق أن مثل هذا فيه نظر في فسخ عقد النكاح به‏.‏

ثالثاً‏:‏ طروء ما يوجب الفسخ‏:‏

القسم الثالث مما يوجب الفسخ هو طروء أمر من شأنه أن يبطل عقد الزواج ونستطيع أن نحصر هذه الأمور فيما يلي‏:‏

‏(‏أ‏)‏ الردة‏:‏ كأن يكفر رجل وتحته امرأة مسلمة وفي هذه الحالة لا بد من فسخ النكاح‏.‏ أو أن تكفر المرأة وهي تحت زوج مسلم وذلك لقوله تعالى‏:‏ {‏ولا تمسكوا بعصم الكوافر‏}‏ ومعلوم أن المسلم لا يكفر إلا بأمور محددة شرعاً وتفصيل ذلك في غير هذا الموضع وقد شرحناه بحمد الله في كتاب ‏(‏الحد الفاصل بين الإيمان والكفر‏)‏‏.‏

‏(‏ب‏)‏ الإعسار بالنفقة‏:‏ وهو أن يصبح الرجل غير قادر على كفالة زوجته والقيام بالإنفاق عليها ومعلوم أيضاً أن المرأة يحسن بها أن تصبر على عجز الرجل وإعساره في الإنفاق وأنها يحسن بها أيضاً أن تساعده في ذلك إن استطاعت كما أن على الرجل أن يساعد المرأة ويصبر معها وعليها فيما تعجز عنه من حقوقه عليها كالاستمتاع والخدمة لمرضها وكبرها مثلاً فإن الزواج الأصل فيه التراحم والوفاء والمشاركة وليس هو تجارة وبيعاً من كل صوره ونواحيه‏.‏‏.‏ ولكننا نقول هنا إن الإعسار من موجبات الفسخ لأن المرأة قد تصر على هذا وتطالب به وتقول‏:‏ رجل لا يستطيع إعاشتي والإنفاق علي لا أريده زوجاً وإجبارها في مثل هذه الحالة ظلم لها ولو صبرت وأعانت كان ذلك إحساناً منها ومعلوم أن الإجبار على الإحسان والفضل ظلم‏.‏ لأن الإحسان والفضل الأمثل فيه الاختيار والأريحية والدافع الذاتي‏.‏

‏(‏ج‏)‏ الأمر الثالث الذي يوجب الفسخ هو اتهام الرجل زوجته بالزنا إن هذا الأمر له تفصيلاته ومشكلاته فنرجؤه إلى الفصل الآتي‏.‏

اللعان

اتهام الرجل زوجته بالزنا

الصورة الثانية لإنهاء عقد الزواج بسبب طروء ما يفسد عقد النكاح هو اتهام الرجل زوجته بالزنا فكيف يتم ذلك‏؟‏ وما الخطوات الشرعية التي يجب اتباعها إذا حدث مثل هذا ونستطيع بحول الله بيان هذا الأمر في النقاط التالية‏:‏

أولاً‏:‏ عفة الزوجة وحصانتها وكونها خالصة للرجل حق شرعي يوجبه عقد الزواج فضلاً على أنه واجب شرعي على كل مكلف في الشريعة الإسلامية سواء كان ذكراً أم أنثى وهو حق للزوج على زوجته لأنها فراشه ومن تلدهم على فراشه ينسب إليه ويشاركونه طعامه وشرابه وحياته، وإدخال الزوجة غريباً من حملها على فراش زوجها من أعظم الإثم ثم هو من أعظم هدم المجتمعات وإيجاد الفرقة والبغضاء‏.‏ إذ كيف نحافظ على شعور الأب نحو أولاده والأخ نحو إخوته والأبناء نحو آبائهم دون نظافة النسل وطهارته‏؟‏ ولذلك كان من حق الزوج إلزام زوجته بالعفة وقصرها عليه فقط، وإعلان فسقها وفجورها إن كان متحققاً من ذلك‏.‏

ثانياً‏:‏ من الأمور المشدد عليها في الشريعة الإسلامية اتهام شخص ما بالزنا وقد رتب الله على من فعل ذلك، إما أن يأتي بأربعة شهداء يشهدون بذلك وإلا جلد ثمانين جلدة وأسقطت شهادته أبداً، ووصم بالفسق كما قال تعالى‏:‏ {‏والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً، وأولئك هم الفاسقون‏}‏‏.‏

ولكن لما كان هذا متعذراً أحياناً بالنسبة لزوج يرى زوجته على فجور، ثم هو لا يستطيع أن يصبر على ذلك لأن الأمر يعنيه من ناحية شخصية كما أسلفنا‏.‏ ولذلك أباح الله للرجل أن يعلن فجور زوجته إذا تحقق من ذلك وأن لا يترتب عليه عقوبة حد القذف إذا لم يستطع إثبات ذلك بشهود أربعة وهذا ما نحن بصدده وهو ما يسمى في الشريعة ‏”‏بـ اللعان‏”‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ إذا اتهم الرجل زوجته بالزنا ولم يستطع إثبات ذلك بالشهود فإن المرأة تستدعي وتذكر بالله سبحانه وتعالى فإما أن تقر بما ادعاه الزوج وفي هذه الحالة ينفذ عليها حكم الله في الزاني الثيب وهو الرجم، وإما أن ترفض ما ادعاه الرجل من اتهامها‏.‏

رابعاً‏:‏ إذا لم يكن مع الرجل شهود يثبتون اتهامه فإن دعواه على زوجته لا تقبل إلا إذا حلف بالله أربع مرات أنه صادق فيما رمى به زوجته من الزنا، ويحلف بالله يميناً خامساً أن لعنة الله عليه إن كان كاذباً في دعواه‏.‏ وأما المرأة فإما أن تقر كما أسلفنا فينفذ فيها الحد وإما أن ترفض الدعوى وفي هذه الحالة لا يخلي سبيلها إلا بأن تقسم أربعة أقسام بالله أنه كاذب فيما رماها به من الزنا، وتحلف يميناً خامساً أن غضب الله عليها إن كان صادقاً فيما قال، وقد اشتملت الآية التالية على هذه الأحكام حيث يقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين‏}‏‏.‏

خامساً‏:‏ لا شك إذا انتهى الأمر على هذا النحو أن أحد الزوجين كاذب فإما أن يكون الرجل مدعياً كاذباً أو أن تكون المرأة جاحدة كاذبة ومع ذلك فإن الحكم في الإسلام يمضي بمقتضى الظاهر ولم يؤمر الحاكم في الإسلام أن يفتش البيوت ويشق الصدور ويعمد إلى وسائل الاعتراف لتقرير أحد الزوجين إذ كل ذلك من الفساد في الأرض، ولكن إذا وقع اللعان هذا وأكذب كل زوج صاحبه وأصر على موقفه فإن الحياة بينهما تصبح مستحيلة ولذلك يفرق بينهما فرقة أبدية لا رجعة فيها ولا بعقد جديد أو مهر جديد فإن كان الرجل كاذباً على هذا النحو فليس جديراً بأن تعيش معه، وإن كانت المرأة كاذبة فليست جديرة بأن يضمها بيت هذا الزوج ثانية‏.‏

سادساً‏:‏ لا يحل ولا يجوز أن يسترد الرجل شيئاً مما أعطاه لزوجته لا مهراً ولا غيره لأنه إن كان كاذباً فلا يحل له، وإن كان صادقاً فقد استمتع من الزوجة واستحل منها سابقاً ما هو جزاء المهر، وما أعطاه‏.‏

والدليل على ذلك حديث ابن عمر في البخاري ومسلم قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين‏:‏ ‏[‏حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها‏]‏، قال ‏(‏أي الزوج‏)‏‏:‏ يا رسول الله مالي‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏لا مال لك‏.‏ إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها‏]‏‏.‏

سابعاً‏:‏ ليس للمرأة التي يلاعنها زوجها نفقة ولا سكنى وإذا وضعت حملها -إن كانت حاملاً- فالولد لها ولا ينسب للزوج الملاعن ويدل لذلك حديث ابن عباس الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين هلال بن أمية وامرأته وفرق بينهما وقضى أن لا يدعي ولدها لأب ولا يرمي ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد‏.‏

وفي هذه الطائفة التي ذكرناها آنفاً من أحكام اللعان تتبدى عظمة تشريع الإسلام ونظافته وقيامه على حفظ الحقوق، وعدم تفتيش السرائر، وتوزيع الحقوق والواجبات بالعدل‏.‏ والمحافظات على نظم الاجتماع ومكارم الأخلاق‏.‏ وما ضلت البشرية إلا بالخروج على هذه القيم والتعاليم‏.‏

اترك ردّاً

Call Now Buttonاتصل الآن