فسخ العقد وسلطة القاضي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد عليه وعلى أله أفضل الصلاة وأزكى التسليم أما بعد، ذكر المحامي والدكتور تفصيلا حول موضوع فسخ العقد وسلطة القاضي وفيما ياتي اهم ماذكر فيها :

من سلطات القاضي التقديرية وزن القضية كيفما يشاء في حدود الظروف والملابسات الخاصة بالعقد وطبيعته، فمما لا شك فيه أن سلطات القاضي التقديرية في أمر فسخ العقد هي سلطات واسعة نجملها في الآتى:

  • من حق القاضي منح المدين أجلاً للتنفيذ بحسب ظروفه.
  • إذا كان طلب الدائن بالفسخ غير مبرر وليس له مسوغ قانوني فيجوز للقاضي رفض الاستجابة لطلب الفسخ.
  • يجوز للقاضي أن يحكُم بالفسخ إذا ما توافرت ظروفاً تبرره.

وسنتطرق في مقالنا هذا لشرح سلطات القاضي التقديرية السابق ذكرها تفصيلاً:

أولاً: حق القاضي في منح المدين أجلاً لتنفيذ التزامه

يمكن للدائن أن يتحلل من الالتزامات القانونية التي رتبها العقد علي عاتقة إذا توفرت لدية الشرائط القانونية لفسخ العقد، ولما للقاضي من سلطات تقديرية واسعة فإنه لا يحكم بشكل فوري بالفسخ، ولكن قد يمنح المدين أجلاً معيناً للقيام بالتنفيذ لعله يقوم به خلال تلك الفترة مما يجعل الفسخ غير مبرراً.

ويثور التساؤل عن ما هو الهدف من منح القاضي للمدين الذي أخل بتنفيذ التزامه أجلاً للتنفيذ؟

يعود ذلك لعده أسباب نوضها في النقاط التالية:

  • للحد من صرامة الفسخ وأثاره والمحافظة على العقود.
  • قد يرى القاضي أن الدائن قد استعجل في اقامه دعوى الفسخ بالرغم من أنه لم يمضي على حلول الأجل إلا وقتاً قصيراً.
  • قد يرى القاضي أن المدين معذور في تأخره في تنفيذ العقد مثل أن يُخطئ في تفسير العقد بحسن نية.
  • قد يكون الضرر الذي أصاب الدائن ضرراً بسيطاً لا يستحق الفسخ.
  • قد يكون الضرر الذي أصاب الدائن ناجماً عن فعل الدائن لا فعل المدين.

ولكن ما هو الوضع القانوني بعد انقضاء المهلة التي حددها القاضي للمدين لتنفيذ التزامه؟

يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بعد انقضاء المهلة التي حددها القاضي، وذلك لانقضاء الأجل دون تنفيذ.

وفي حالة أن نفذ المدين التزامه خلال الأجل فإن الدائن يمتنع عن طلب الفسخ.

ويثور تساؤل أخر عن مدى إمكانية القاضي منح المدين مهلة للتنفيذ دون طلب المدين ؟

للقاضي سلطة تقديرية في منح المدين أجلاً لتنفيذ التزامه وأن ينظُر للمدين نظرة الميسرة حتى إن لم يطلبها المدين منه، وذلك حفاظاً على استقرار العقود وانحيازاً من القاضي للحد من صرامة الفسخ وآثاره، وقد جرت العادة وفق السوابق القضائية على منح القاضي للمدين مهلة للتنفيذ قبل الحكم بالفسخ، ولكن تلك السلطة ليست مطلقة بسبب وجود حالات يمتنع فيها القاضي عن منح المدين مهلة لتنفيذ التزامه.

ما هي قيود القاضي في منح المدين أجلاً للتنفيذ؟

  • لا يجوز للقاضي أن يمنح الدين سيء النية أن أجلاً للتنفيذ؛ لأن الأصل في تنفيذ العقود هو حسن النية، وتحديد سوء النية أمر تقديري للقاضي يستدل عليه من حالة المدين، مع العلم أن سلطة القاضي التقديرية في منح المدين أجلاً للتنفيذ لا ينبغي أن ُيبالغ فيها.
  • لا يجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلاً للتنفيذ إذا كان تنفيذ الالتزام غير ممكن؛ ومثال على ذلك لا يمكن للقاضي إمهال المدين أجلاً للتنفيذ في حالة لو كان المدين ملزماً بعدم القيام بعمل معين ولكنه على النقيض قام به، وبالتالي يُصبح تنفيذ الالتزام الذي يرجوه الدائن وتعاقد من أجله مستحيلاً.

ثانياً: رفض القاضي لطلب الفسخ

من سلطات القاضي التقديرية تقدير قدر جسامة عدم التنفيذ الجزئي للعقد، ومن ثم يقضي بالفسخ أو لا يقضي بالفسخ بناء علي سلطته التقديرية، فهو يرفض الفسخ إذا كان الالتزام الذي أخل به المدين قليل الأهمية أو جزئياً أو تافهاً بالنسبة إلى باقي الالتزامات، وبالتالي يرفض القاضي طلب الدائن بفسخ العقد.

والسؤال هنا هل هناك اعتبارات أخرى يراعيها القاضي عند رفض طلب الفسخ؟

بالطبع يوجد، ومن ضمن تلك الاعتبارات:

  • إذا كان قد تعنت الدائن في معاونة المدين أو قبول وفائه.
  • إذا أبدى المدين استعداده للتنفيذ إلا أن الدائن استمر بالتهرب حتى يتخلص من العقد بطلب الفسخ.

ما هو المعيار المطبق في تقدير مدى جسامة الإخلال بالالتزام؟

انقسمت الأراء هنا حول معيارين، فالبعض يرى أنه المعيار الموضوعي، بينما يذهب البعض الآخر إلى أنه المعيار الذاتي:

المعيار الموضوعي في رفض طلب الفسخ:

يُنفذ هذا المعيار من خلال بحث القاضي في تقدير جسامة عدم التنفيذ بالاعتماد على إرادة طرفي العقد لكن ليس بشكل شخصي، أي على أساس ما يترتب على عدم التنفيذ من اختلال في التوازن العقدي.

فأصحاب المعيار الموضوعي يرون أن ضرورة الاستعانة بقواعد موضوعية ينظر فيها القاضي إلى كمية الالتزامات التي لم تنفذ بالنسبة إلى كامل الالتزامات التعاقدية.

ويعيب أصحاب هذا التوجه على أصحاب المعيار الذاتي عدة أمور منها:

  • إن المعيار الذاتي هو معيار غير مطلق، فهو لا يسعف القاضي في جميع الحالات للتوصل للحقيقة ذلك أنه يستحيل في كثير من الحالات التحقق والتأكد من.نية الدائن بالالتزام الذي لم يتم تنفيذه.
  • عدم تنفيذ العقد قد يكون له صوراً كثيرة في الحياة العملية، ليس من السهل أن نعتمد فيها على المعيار الذاتي.

المعيار الذاتي في رفض طلب الفسخ:

المعيار الذاتي هو الأساس الذي يستعين به القاضي في تقديره لأهمية عدم التنفيذ الذي تسبب فيه المدين، وذلك بالعودة على إرادة الدائن بالالتزام لا على إرادة  المدين.

يرى أنصار المعيار الذاتي أنه يحقق العدالة التي تنشئها القاعدة الشهيرة العقد شريعة المتعاقدين، ويُقصد به أيضاً أن القاضي عند تقديره لجسامة عدم التنفيذ يأخذ في اعتباره بنية الدائن المتعاقد والتي تعتزم على أمر معين، وقد ورد في عقد البيع عديد من التطبيقات لهذا المعيار.

ثالثاً: سلطات القاضي التقديرية في الحكم بالفسخ

هناك حالتين للفسخ، الفسخ الكلي والفسخ الجزئي، فالفسخ الكلي هو الأصل ويعني رفض العقد نهائياً وهو الأصل العام التي تُبني عليه سلطة القاضي التقديرية.

أما الفسخ الجزئي فهو حل وسط يجيز فيه المنطق والقانون للقاضي وفق سلطته التقديرية أن يتخذ موقفاً وسطاً بين الإبقاء على العقد مع التعويضات، وبين فسخ العقد كله.

سلطة القاضي التقديرية في فسخ العقد كلياً:

يجوز للقاضي الحكم بالفسخ كلياً إذا اتضح له الآتي:

  • أن الظروف تبرر الفسخ.
  • لو تبين عدم جدوى الإبقاء على العقد.
  • لو تبين سوء نية المدين وتعمده عدم التنفيذ أو إهماله الجسيم في ذلك بالرغم من إعذاره.

ويتحقق ذلك في حالة:

  • عدم التنفيذ الكامل للالتزام.
  • عدم تنفيذ الجزء الأكبر منها.
  • في حاله التنفيذ المعيب.
  • في حالة التنفيذ المتأخر للالتزام على نحو لا يحقق الغرض المقصود منه.

وللقاضي الحق أن يحكم  بفسخ العقد بشكل كلي إذا كان التزام المدين لا يحتمل التجزئة، أو كان يحتملها ولكن الجزء الباقي دون التنفيذ هو الجزء الأساسي في العقد.

سلطة القاضي التقديرية في فسخ العقد جزئياً:

الفسخ الجزئي هو الذي يحكُم فيه القاضي بفسخ جزءاً من العقد ويُبقي الأجزاء الأخرى، ويجوز للقاضي الحكم الفسخ الجزئي للعقد بعدة شروط ومنها:

  • أن يكون عقد البيع قابلاً للتجزئة.
  • أن يقوم المشتري بتسلم جزء منه من البائع.

فالقاضي في تلك الحالة ووفقاً لسلطته يستطيع الحكم بالفسخ لحكمة أن يستطيع المشتري في عقد البيع امتلاك الجزء الذي تسلمه من البائع.

والفسخ الجزئي للعقد يقع في العقود الزمنية أكثر من غيرها من العقود ومثال علي ذلك:

  • عقد التوريد؛ ينشأ عنه مجموعة التزامات متقابلة هي مجمل مجموعة أداءات تستقل بعضها عن بعض اقتصادياً وكل منها يشكل مهمة للمتعاقدين فيجوز الحكم بفسخ إحداها دون المساس ببقية المهمات الأخرى.

الرأي القانوني الراجح يؤيد سلطة القاضي في اختيار الفسخ الجزئي بسبب ملائمته لمصلحة للطرفين، وكونه أكثر تحقيقاً للعدالة بشكل خاص إذا كان الالتزام العقدي قابلاً للتجزئة.

ويقرر القاضي ويقضي بفسخ العقد جزئياً بدلاً من الفسخ الكلي بتقديره قدر جسامة عدم تنفيذ العقد، اذا رأى أن تنفيذ العقد أصبح مستحيلاً، وأن عدم تنفيذ جزء من العقد لم يصل للأهمية الكبيرة مقارنة بباقي الالتزامات في العقد.

رابعاً: موانع الحكم بالفسخ

بهدف رد الالتزام إلى الحد المعقول فهناك حالتين يمتنع فيهما القاضي عن الحكم بالفسخ وهما:

الأولى: حالة الحوادث الاستثنائية:

قد يُمنع تنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد بسبب ورود حوادث غير متوقعة مما يؤدي للإخلال بتلك الالتزامات، وفي تلك الحالة يثور التساؤل: هل يظل المدين ملزماً بتنفيذ العقد رغم ورود تلك الحوادث المفاجئة؟

لا ينقضي التزام المدين لأن الحدث الاستثنائي ليس مثيلاُ ولا مساوياً لقدر القوة القاهرة، ولكن في نفس الوقت وتخفيفاً على كاهل المدين لا يظل التزام المدين كما هو قبل الحدث الاستثنائي، فبدون فسخ العقد يرد القاضي الالتزام إلى الحد المعقول.

ومن الشروط الواجب توافرها لإعمال الحدث الاستثنائي:

  • أن يكون الحدث الاستثنائي عاماً.
  • أن يكون الحدث الاستثنائي غير ممكن التوقع.
  • أن يجعل الحدث الاستثنائي تنفيذ الالتزام مرهقاً وليس مستحيلاً.

الثانية: حالة الدفع بعدم التنفيذ والحق في الحبس:

يجوز لكلا المتعاقدين في العقود الملزمة للجانبين أن يمتنع أحدهما عن تنفيذ التزامه إذا لم يقم المتعاقد الأخر بتنفيذ ما التزم به، وبمعنى أخر للمتعاقد بدلاً عن أن يقوم بالفسخ حال عدم التزام الطرف الاخر بتنفيذ التزامه يمكن ألا يقوم بتنفيذ التزامه هو الآخر حتى ينفذ المتعاقد الآخر التزامه، أي يتمسك بعدم التنفيذ حتى يقوم الطرف الآخر بتنفيذ التزامه التعاقدي.

والدفع بعدم التنفيذ هو صورة من صور الحق في الحبس، والحق في الحبس يكون لحائز الشيء اذا لم يكن هناك تأمين كافي للوفاء بالشيء، فإن له أن يمتنع عن رد هذا الشيء حتى يستوفي ما هو مستحق له.

اترك ردّاً

Call Now Buttonاتصل الآن