Call us now:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد عليه وعلى أله أفضل الصلاة وأزكى التسليم أما بعد، ذكر المحامي والموثق تفصيلا حول موضوع ايقاع الطلاق بوسائل الاتصال الحديثة في الفقه الاسلامي وفيما ياتي اهم ماذكر فيها :
تكييف الطلاق الإلكتروني
الطلاق لغة: مشتق من الإطلاق، وهو الترك والإرسال، ومنه أطلقت المحبوس، أي أزلته من يدي، وطلقت المرأة بفتح اللام أو ضمها، إذا تركها زوجها، وطلقت البلاد، أي تركتها.
والطلاق اصطلاحا: رفع القيد الثابت بعقد النكاح بلفظ أو فعل من الزوج لفض ما عقده على زوجته، سواء قبل الدخول بها أو بعده، من غير فسخ أو ما في حكمه.
يشير التعريف إلى ماهية الطلاق، ويمنع غيرها من الدخول فيها، ومن ذلك:
أ- أركان الطلاق، وهي الصيغة وما تستلزم من شروط، والمحل المتمثل بالزوجية، ومطلق، وقصد للطلاق.
ب – مقتضى الطلاق، وأثره في إزالة الحياة الزوجية.
ج- فرق التعريف بين الطلاق، وبين الفسخ، والانفساخ.
ح- سبب الطلاق والاحتياج إليه لرفع الحرج، والضرر عن حياة زوجية استحكم فيها الشقاق والنزاع، وأصبحت جحيما لا يطاق.
خ- أقسامه، رجعي، وبائن، وسني موافق للكتاب والسنة، وبدعي مخالف للسنة والمصلحة المعتبرة شرعا.
والطلاق الإلكتروني: هو حل رابطة الزواج بلفظ مقصود من الزوج صراحة، أو كناية، أو بالفعل الصريح، أو الكنائي عبر وسائل الاتصال الحديثة، كالاتصالات الخلوية، والرسائل النصية (SMS)، أو برامج المحادثة الفورية، أو البريد الالكتروني.
وعلى هذا يشمل الطلاق الالكتروني جميع صور الطلاق التي ترسل، أو تسلم، أو تخزن بوسائل الكترونية، أو بوسائل مشابهة بما في ذلك تبادل البيانات الإلكترونية، أو البريد الإلكتروني، أو البرق، أو التلكس، أو النسخ الرقمي.
ويتميز الطلاق الإلكتروني عن الطلاق العادي في الدور الذي يؤديه الوسيط الإلكتروني المستخدم في إيقاع الطلاق، وما ينجم عن ذلك من خصوصية في طريقة وقوعه؛ لأنه يتم عن بعد مكاني بين الزوجين، وإن كان في بعض صوره يتم باتصال مباشر.
والوسيط الإلكتروني لا يخرج عن كونه برنامج حاسوب، أو أي وسيلة الكترونية أخرى تستعمل من أجل تنفيذ إجراء، أو الاستجابة لإجراء بقصد إنشاء رسالة معلومات، أو إرسالها، أو تسلمها دون تدخل شخصي.
والطلاق الإلكتروني، طلاق مكروه لا حاجة له؛ لما فيه من التسرع، والضرر الواقع، أو المتوقع بالزوجة، والزوج معا، والتجاحد أو النكران؛ ولئلا يموت أحدهما فيدعي الباقي ثبوت الزوجية ليرث؛ وقد تطول عدة الزوجة بسببه، كما يصعب عليها إثباته لما فيه من الجحود والنكران، ويؤدي إلى عدم استقرار الزوجية، ومدعاة للهو والعبث، وذريعة للافساد والتلاعب بأمن المجتمع واستقراره، والله سبحانه وتعالى أحاط الأسرة بالحماية، وجعل عقد الزواج ميثاقاً غليظاً؛ قال تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً )[النساء: 21]
جاء في شرح منتهى الإرادات: ” ويكره الطلاق بلا حاجة؛ لإزالته النكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها.”
صور الطلاق الإلكتروني
يوجد للطلاق الإلكتروني صورتان، هما:
الفرع الأول – الصورة الأولى: الطلاق بالكتابة، كأن يرسل الزوج طلاق زوجته برسالة نصية من هاتفه المحمول، أو البريد الإلكتروني، أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة.
وقد اختلف الفقهاء في هذا النوع من الطلاق إلى أربعة أقوال:
الأول – مذهب الظاهرية، وقول للشافعية، ويرون عدم وقوع الطلاق بالكتابة، وإنما يقع باللفظ من القادر عليه، ويطلق من لا يحسن العربية بلغته باللفظ الذي يترجم عنه في العربية بالطلاق، ويطلق الأبكم والمريض بما يقرر عليه من الصوت، أو الإشارة التي يوقن بها من سمعها قطعا أنهما أرادا الطلاق.
جاء في الوجيز: ” كتبة الطلاق من القادر على النطق، وهي ليس بصريح أصلا، لكنها كناية على قول، ولغو على قول.” أي لا يعتد به.
ويستدل لهم على ذلك، بما يلي:
1 – أن الأصل بقاء عقد الزواج الصحيح، والكتابة أمر يتطرق إليه الاحتمال، واليقين لا يزول بالشك شرعا، وعقلا، وواقعا.
2 – لا يوجد دليل يعتد به يدل على وقوع الطلاق بالكنايات.
3 – الطلاق بالفعل من القادر على القول لا يقع به الطلاق قياسا على عدم وقوع الطلاق بالإشارة من القادر على النطق.
والثاني – مذهب جماهير الفقهاء ومنهم الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، ويرون وقوع الطلاق بالكتابة من الحاضر والغائب وهو من قبيل الكناية، يقع إن قصد المطلق به الطلاق، ولا يقع إن لم يقصد به المطلق الطلاق.
جاء في بدائع الصنائع:” أن يكتب على قرطاس، أو لوح، أو أرض، أو حائط كتابة مستبينة لكن على وجه المخاطبة، امرأته طالق، فيسأل عن نيته، فإن قال: نويت به الطلاق وقع، وإن قال: لم أنو به الطلاق صدق في القضاء؛ لأن الكتابة على هذا الوجه بمنزلة الكناية؛ لأن الإنسان قد يكتب على هذا الوجه، ويريد به الطلاق، وقد يكتب لتجويد الخط، فلا يحمل على الطلاق إلا بالنية، وإن كتب كتابة غير مستبينة بأن كتب على الماء، أو على الهواء، فذلك ليس بشيء حتى لا يقع به الطلاق وإن نوى؛ لأن ما لا تستبين به الحروف لا يسمى كتابة فكان ملحقا بالعدم.
ويستدل لهم على ذلك، بما يلي:
1- الكتابة طريق في إفهام المراد إن اقترنت بالنية؛ لأنها أحد الخطابين، فجاز أن يقع بها الطلاق قياسا على اللفظ.
2- الطلاق بالكتابة يتطرق إليه الاحتمال، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال لبس ثوب الإجمال، ولا يرفع الإجمال إلا بالقصد أو النية.
ومن ذلك احتمال:
أ- تجويد الخط.
ب – الحكاية.
ج- غمَّ أهله.
د – التزوير، كأن ترسل الزوجة، أو غيرها لسبب ما من هاتف الزوج المحمول، أو بريده الإلكتروني رسالة تفيد طلاق زوجته من دون علم الزوج بذلك.
والثالث – يقع الطلاق بالكتابة من الغائب لا الحاضر على سبيل الكناية، وهو قول آخر للشافعية، جاء في الخلاصة: ” كتبة الطلاق في الغيبة مع النية وقت الكتبة، طلاق في أصح القولين، وكذلك في سائر العقود التي تنعقد بالكتابة، فإن كتب إلى الحاضرة بطلاقها، كان طلاقا على أحد الوجهين.”
ويستدل لهم على ذلك:
أن الكتابة بديل اللفظ، ولا يصار إلى البديل مع وجود الأصل قولا، وشرعا، وعقلا.
والرابع – قول للحنفية، والمالكية، والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد أن الكتابة الصريحة كاللفظ الصريح يقع بها الطلاق من دون نية.
قال الإمام محمد بن الحسن: ” الرجل يكتب إلى امرأته إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق، لم تطلق حتى يأتيها الكتاب، وإن ضاع، أو محي، فليس بشيء، وإن كان كتب أما بعد: فأنت طالق، فهي طالق حين كتب.”
جاء في شرح مختصر الوقاية: ” الكتابة المستبينة في لوح بمداد أو في رمل ونحوه يحتاج إلى نية، أو دلالة حال، فلو كتب رسالة، بأن كتب، أما بعد: يا فلانة إذا بلغك كتابي هذا، فأنت طالق، فإنه يقع به الطلاق، ولا يصدق قضاء في عدم النية؛ لدلالة الحال في الكل.”
وجاء في جواهر الإكليل: ” ولزم الطلاق ووقع بالكتابة لصيغته من الزوج حال كونه ناويا الطلاق بكتابة صيغته من غير تلفظ بها؛ لأن القلم أحد اللسانين، فنزلت الكتابة منزلة اللفظ.”
قال النووي: ” إذا كتب القادر بطلاق زوجته، نظر، إن أقر ما كتبه وتلفظ به في حال الكتابة، أو بعدها، طلقت، وإن لم يتلفظ، نظر، إن لم ينو إيقاع الطلاق لم تطلق على الصحيح، وقيل: تطلق وتكون الكتابة صريحا، وإن نوى ففيه أقوال وأوجه وطرق، مختصرها ثلاثة أقوال: تطلق مطلقا، والثاني: لا، والثالث: تطلق إن كانت غائبة عن المجلس، وإلا فلا. ”
ويستدل لهم على ذلك، بما يلي:
1 – الكتابة حروف يفهم منها صريح الطلاق، فهي كالكلام تنبئ عن المراد.
2 – الكتابة تقوم مقام النطق بدليل أنه – صلى الله عليه وسلم – كان مأمورا بتبليغ الرسالة، فبلغ بالقول مرة، وبالكتابة أخرى، وكانت تلزم الحجة بها كما تلزم بقوله.
3 – كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الحقوق.
المناقشة والترجيح:
يتبين من خلال استعراض أقوال الفقهاء في المسألة ما يلي:
أ – الأدلة الواردة في المسألة أدلة ظنية تتسع للرأي، والرأي الآخر؛ ولهذا وجد أكثر من قول في المذهب الواحد.
ب – الراجح في الطلاق بالكتابة، أنه طلاق كنائي بشتى صوره، وأشكاله؛ لأنه يتطرق إليه الاحتمال من تزوير وغيره، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال لبس ثوب الإجمال، والإجمال لا يرفع إلا بدليل شرعا، وعقلا، وواقعا.
والحاصل أن الطلاق يقع بكل لفظ ونحوه كإشارة، أو كتابة؛ إذ ليس المراد إلا الإفهام وهو يقع بجميع ذلك، ما دام يدل على الفرقة كائنا ما كان حيث كان مريدا الفرقة به.
الصورة الثانية:
أن يطلق الزوج زوجته عبر برنامج للمحادثة الفورية على الإنترنت، أي الطلاق مشافهة عن طريق الإنترنت، وفي هذه الصورة قد يكون الطلاق صريحا، وقد يكون كناية، وفيما يلي بيان ذلك:
أولا – الطلاق الصريح: وهو أن يطلق الزوج زوجته مشافهة بالصورة والصوت، ويكون بلفظ لا يحتمل غير معنى الطلاق إنشاء، أو إقرارا، أو نداء، أو خبرا، ويكون صريحا في اللغة، أو في العرف، أو في الشرع، كقول الزوج لزوجه: أنت طالق، ومطلقة، وطلقتك، فهذا يقع به الطلاق إذا تحققت به الشروط الآتية:
أ – أن يكون المطلق زوجا لمن طلقها؛ لأن الآيات القرآنية، والأحاديث الواردة في الطلاق كلها مصرحة بأن الطلاق هو الواقع من الأزواج، وأما ما ورد في التخيير والتوكيل فهو كائن من جهة الزوج، فإذا خير زوجنه فقد جعل الأمر الذي هو إليه إليها، وهكذا إذا وكل وكيلا يطلق زوجته، ولا طلاق قبل النكاح الصحيح ؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ” لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك.”
ب – قصد الطلاق، بأن يكون المطلق قاصدا لحروف الطلاق بمعنى الطلاق، ولا يكفي القصد إلى حروف الطلاق من غير قصد معناه، ولا قيمة للطلاق من دون نيته؛ لأن النية أصل يعتد به في الفقه الإسلامي، عملا بقوله – صلى الله عليه وسلم -: ” إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى…… الحديث ”
بمعنى أن الأعمال معتبرة صحة وفسادا بالنيات، فالقصود معتبرة في التصرفات والعقود في المعاملات، والعبادات، وهذا أمر متفق عليه بين الفقهاء، والخلاف بينهم في كيفية الوصول إلى القصد، ومن هنا نشأ الخلاف بين الفقهاء في الاعتداد بالنية في التطبيق على الفروع في الجانب الدنيوي أو القضائي مع اتفاقهم على الاعتداد بالنية في الجانب الدياني.
وبناء على ذلك اتفق الفقهاء على ان الصبي والمجنون غيرمكلفين بالأحكام الشرعية؛ لكون ما صدر منهما لم يكن صادرا عن إدراك وقصد، أما المجنون، فظاهر إذ لا قصد صحيح له أصلا، وأما الصبي فلأن قصده كلا قصد؛ لنقصان إدراكه، ومما يدل على عدم الوقوع قوله – صلى الله عليه وسلم -: ” رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق.” ، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: ” كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله.” .
إذا ثبت هذا: فلا يصح طلاق الصبي، والمجنون، والنائم، والمغمى عليه، والمعتوه والمدهوش ومن زال عقله بمرض، أو سبب مباح.
جاء في المغني: ” أجمع أهل العلم على أن الزائل العقل بغير سكر أو ما في معناه لا يقع طلاقه
وأما الطلاق الإلكتروني من السكران، وهو من زال عقله بشرب الخمر، أو أي مسكر، بحيث لا يدري بعد إفاقته ما كان قد صدر منه حال سكره، فقد اختلف الفقهاء في وقوع طلاقه إلى فريقين:
الأول – ذهب الحنفية والمالكية وقول للشافعية والحنابلة إلى وقوع طلاق السكران (31) واستدلوا على رأيهم بما يلي:
1 – قوله تعالى: ( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [البقرة: 229].
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
الآية الكريمة، جاءت عامة تشمل بعمومها، طلاق السكران.
2 – قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً [النساء: 43]
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
الآية الكريمة، خاطبت السكران حال السكر، وهذا دليل على أن السكران مكلف.
3 – روي أن عمر – رضي الله عنه – استشار الصحابة، وقال: ” إن الناس قد انهمكوا في شرب الخمر، واستحقروا حد العقوبة فيه، فما ترون؟
فقال علي – رضي الله عنه -: ” إنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فحدّه حد المفتري.
فلولا أن لكلامه حكما؛ لما زيد في حدِّه، وعوقب لأجل هذيانه، وهذا دليل على اعتبار قوله وصحة وقوع طلاقه.
واختلف هذا الفريق في علة تصحيح طلاقه، فقيل: المعصية، وهي شرب الخمر تقتضي وقوع طلاقه عقوبة وتغليظا عليه، وقيل: إن زوال عقله إنما يعلم من جهته، فلا يقبل قوله في زواله؛ لفسقه.
إذا ثبت هذا: فإن طلاق السكران يقع في الظاهر، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان لا يعي ما يقول.
والثاني – لا يقع طلاق السكران، وهو قول للشافعية، والحنابلة، والظاهرية، واختيار الكرخي، والطحاوي من الحنفية، وبه قال الإمام الشوكاني.
واستدلوا على رأيهم هذا بما يلي:
1 – قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً ) [النساء: 43]
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
السكران لا يعلم ما يقول، وقد أخبر الله تعالى أنه لا يدري ما يقول، ومن هذا شأنه، فلا يحل أن يلزم شيئا من الأحكام لا طلاقا، ولا غيره؛ لأنه غير مخاطب، إذ ليس من ذوي الألباب.
2 – القياس على الصبي، والمجنون، والنائم، والمغمى عليه، والعلة زوال العقل، والاتحاد في المعنى يقتضي الاتحاد في الحكم شرعا وعقلا وواقعا.
3 – الأصل بقاء عقد الزواج، ووقوع الطلاق يحتاج إلى دليل، ولا يوجد دليل شرعي خاص يقضي بوقوع طلاق السكران، فنرجع إلى الأصل وهو بقاء عقد النكاح.
المناقشة والترجيح: الرأي الراجح والعلم عند الله عدم وقوع طلاق السكران؛ لأنه لا يدري ما يتكلم به، فهو معتوه من هذا الوجه بلا شك؛ لأن المعتوه في اللغة: هو الذي لا عقل له، ولا يدري ما يتكلم به، والسكران معتوه بأي وجه كان، وأما القول بوقوع طلاقه عقوبة له، فقد ورد الشرع بأن عقوبته الحد، وليس لنا أن نجعل له عقوبة من جهة أنفسنا، ونرتب عليه أحكاما لم يأذن الله تعالى بها.
وأما أن سكره لا يعرف إلا من جهته، فغير دقيق خاصة في زمننا الحاضر مع التقدم العلمي والتقني الذي يحدد نوع المشروب، وتأثيره، ووقته بدقة مما يصلح أساسا للحكم.
قال ابن القيم: ” والسكران، وزائل العقل فإنهم ليس لهم قصد صحيح، وليسوا مكلفين، فألفاظهم لغو بمنزلة ألفاظ الطفل الذي لا يعقل معناها، ولا يقصده.
ويختل القصد، ولا يقع الطلاق الإلكتروني في الحالات التالية:
1 – أن لا يقصد اللفظ كالنائم تجري كلمة الطلاق على لسانه.
2 – الحاكي لطلاق غيره، كقوله: قال فلان: زوجتي طالق، والفقيه إذا كرر لفظ الطلاق في تصويره، وتدريسه، وتكراره، لا طلاق عليه.
3 – الطلاق الإلكتروني من الهازل، وهو الذي يتكلم بالطلاق من غير قصد لموجبه وحقيقته بل على وجه اللعب، ونقيضه الجاد – من الجد بكسر الجيم وهو نقيض الهزل -، وصورة الهزل، أن يلاعب زوجته، فتقول له في معرض الدلال والاستهزاء: طلقني، فقال: طلقتك.
وقد اختلف فيه الفقهاء إلى قولين:
الأول – يرى وقوع طلاق الهازل، وهم: الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وقول للمالكية، واستدلوا على وقوع طلاق الهازل بما روي عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد النكاح، والطلاق، والرجعة .
قال ابن القيم: ” المكلف إذا هزل بالطلاق، أو النكاح، أو الرجعة لزمه ما هزل به، فدل ذلك على أن كلام الهازل معتبر، وإن لم يعتبر كلام النائم، والناسي، وزائل العقل، والمكره والفرق بينهما أن الهازل قاصد للفظ غير مريد لحكمه، وذلك ليس إليه فإنما إلى المكلف الأسباب، وأما ترتب مسبباتها وأحكامها فهو إلى الشارع قصده المكلف أو لم يقصده، والعبرة بقصده السبب اختيارا في حال عقله، وتكليفه فإذا قصده رتب الشارع عليه حكمه جد به، أو هزل وهذا بخلاف النائم
والثاني – ذهب الظاهرية، وبعض المالكية إلى عدم وقوع طلاق الهازل ، عملا بما
روي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ” إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه.
والهازل لا نية له، يقول ابن حزم: ” إن من نوى الطلاق ولم يلفظ به، أو لفظ به ولم ينوه فليس طلاق إلا حتى يلفظ به وينويه “.
المناقشة والترجيح:
تبين لنا أن منشأ اختلاف الفقهاء في وقوع طلاق الهازل يرجع إلى الاختلاف في صحة الحديث الوارد في طلاق الهزل، فمن ثبت عنده الحديث، قال بوقوع طلاق الهازل، وهم جماهير الفقهاء ومنهم: الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وقول للمالكية، ومن ضعَّف الحديث، قال: بعدم وقوع طلاق الهازل، وهم: المالكية، والظاهرية، وكذلك الاختلاف في صورة الهزل، فيرى الشوكاني أن الذي يتكلم بالطلاق قاصدا معناه، ولكن أوقعه على طريقة الهزل، يقع طلاقه، والذي يتكلم بالطلاق من غير قصد معناه، فإن هذا لا يصدق عليه أنه هازل، ولا يقع طلاقه؛ لعدم القصد.
والراجح رأي جماهير الفقهاء أن الذي يتكلم بالطلاق الصريح يقع طلاقه قضاء لا ديانة قصد معناه، أم لم يقصد؛ صيانة لكلام العاقل عن اللغو ما أمكن، وحفظا للطلاق عن اللهو والعبث.
4 – الطلاق الإلكتروني من المخطىء: وهو من سبق لسانه إلى الطلاق، أو أخطأ في الكتابة في رسالة نصية، وهو لا يريد الطلاق، ولا يريد التلفظ به، أو كتابته، ولا يريد الأثر المترتب عليه، ومثاله قول الزوج الذي أراد وصف زوجته بالطهر والعفاف: أنت طالق بدلا من قوله: أنت طاهر، وكذلك كتابته.
وقد اتفق الفقهاء على عدم وقوع طلاق المخطىء ديانة؛ لانتفاء القصد، والقصد ركن في الطلاق، أما إذا رفع الأمر للقضاء، فقد اختلف الفقهاء في وقوع طلاق المخطىء إلى مذهبين:
الأول – جماهير الفقهاء، ويرون عدم وقوع طلاق المخطىء، واستدلوا على رأيهم بما يأتي:
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
الآية أصل عظيم، وركن من أركان الدين، والشريعة لم تكلف بأمر فيه مشقة، ومن ذلك القول الواقع خطأ، أو نسيانا لغو في الأحكام، كما جعله الله تعالى لغوا في الآثام.
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
تفيد الآية الكريمة أن ما كان على جهة الخطأ، وهو أن يسبق لسانه إلى الطلاق وغيره من غير قصد فلا إثم عليه، ولا مؤاخذة.
ج – روى ابن عباس، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه .
وجه الاستدلال بالحديث:
الحديث نص في الموضوع، والمراد بالرفع، رفع الأحكام والآثام، واعتبار ذلك من قبيل اللغو الذي لا أثر له من الناحية الشرعية.
قال الشوكاني: ” فالحاصل ان من لم يقصد معنى اللفظ لم يؤاخذ به، وإن تكلم به الف مرة، ومن زعم غير هذا فقد جاء بما لم يعقل، ولا يطابق شرعا، ولا عقلا، ولا رايا قويا نعم إذا جاء في لفظه بما هو طلاق صريح، وقال: إنه لم يقصد معناه، ولا أراد مدلوله كان مدعيا لخلاف الظاهر؛ لأنه ادعى ما لا يفعله العقلاء في غالب الاحوال، ولكن لما كان القصد لا يعرف الا من جهته كان القول قوله مع يمينه، إن خاصمته في ذلك امرأته، او احتسب عليه محتسب.
د – الالفاظ إنما هي قوالب المعاني، ولا تراد لذاتها اصلا، لا عند اهل اللغة، ولا عند اهل الشرع، فالمتكلم بلفظ الطلاق الصريح في معناه إذا لم يرد المعنى الذي وضع له ذلك اللفظ، وهو فراق زوجته، فهو كالهاذي الذي يأتي في هذيانه بألفاظ لا يريد معانيها، ولا يقصد مدلولاتها.
ه – لا عمل إلا بنية، ولا نية إلا بعمل؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ” الأعمال بالنية ولامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه .
والثاني – ذهب الحنفية إلى وقوع طلاق المخطىء إن كان لفظ الطلاق صريحا، كقوله: أنت طالق، ومطلقة، فهذا يقع به الطلاق الرجعي، واستدلوا على رأيهم بما يلي:
1 – اللفظ الصريح في الطلاق لا يستعمل إلا في الطلاق، والطلاق الصريح لا يفتقر إلى نية، صيانة لكلام العاقل عن اللغو ما أمكن.
2 – العبرة بحدوث السبب وهو لفظ الطلاق، فمتى صدر ترتبت آثاره سواء أكان بقصد أم بغير قصد.
قال الكاساني: ” اللفظ الذي لا يستعمل إلا في حل قيد النكاح، وهو لفظ الطلاق، أو التطليق مثل قوله أنت طالق، أو أنت الطلاق، أو طلقتك، أو أنت مطلقة مشددا سمي هذا النوع صريحا؛ لأن الصريح في اللغة اسم لما هو ظاهر المراد مكشوف المعنى عند السامع من قولهم صرح فلان بالأمر أي كشفه وأوضحه،……. وهذه الألفاظ ظاهرة المراد لأنها لا تستعمل إلا في الطلاق، فلا يحتاج فيها إلى النية لوقوع الطلاق، إذ النية عملها في تعيين المبهم .
المناقشة والترجيح:
أدلة الحنفية معقولة المعنى، ولكنها تخالف منطق الشرع، وقواعده العامة، والتي منها رفع الحرج، وربط الأمور بمقاصدها، والمخطىء لا قصد له، وتكليفه بأعباء الطلاق تكليف بما لا يطاق شرعا وعقلا وواقعا؛ ولهذا يترجح قول الجمهور؛ لقوة أدلتهم من النقل والعقل.
ثانيا – الطلاق الكنائي: وهو الطلاق الذي يكون بلفظ يحتمل الطلاق وغيره، كقول الزوج لزوجته أنت حرة، اخرجي من البيت، أو لست لي بامرأة، أو غيرها من الألفاظ المحتملة للطلاق وغيره.
يرى جاهير الفقهاء أن مثل هذا الكلام إن نوى به الطلاق وقع عليها الطلاق، وإن لم ينو به الطلاق لم يقع عليها الطلاق سواء قال ذلك في حال الرضا، أو الغضب، وسواء سألته الطلاق أم لم تسأل.
المطلب الثالث الطلاق الإلكتروني في قوانين الأحوال الشخصية
لم تتعرض قوانين الأحوال الشخصية إلى الطلاق الإلكتروني بالنص عليه صراحة، ومن ذلك فانون الأحوال الأردني الصادر في عام 2010م، رغم النقاش الذي تم من قبل لجان إعداده، واكتفت القوانين بذكر الإطار العام، وما يرتبط به من أحكام، وفي الجملة نصت القوانين على أحكام الطلاق بالكتابة، واعتبرته طلاقا كنائيا لا يقع إلا بالنية، واشترطت على الزوج مراجعة المحكمة لتسجيل الطلاق أصولا، تحت طائلة المسئولية، وهذا أمر مهم ويشمل بعمومه الطلاق الإلكتروني، وفيما يلي ذكر ماجاء في قانون الأحوال الأردني، والإماراتي، كنموذجين للقوانين الحديثة المنظمة للعلاقات الأسرية من زواج، ونفقة، وطلاق، وعدة، وغيرها من أحكام فقه الأسرة.
طرق إثبات الطلاق الإلكتروني
الطلاق الإلكتروني يحتاج إلى توثيق وتثبيت لدى المحاكم المختصة، لأن الرجل قد يجحد الطلاق، والزوجة تدعي طلاق زوجها بوسائل الإتصال الإلكترونية، ويكون عليها عبء إثبات دعواها، فما هي وسائل الإثبات المتاحة؛ لإثبات واقعة الطلاق الإلكتروني علما أن الأصل شرعا وقانونا أن يقوم الزوج بتسجيل طلاقه، وتثبيته لدى المحكمة المختصة أصولا، وبعد تحقق المحكمة أن الطلاق قد صدر من الزوج , وهو بكامل قواه العقلية، ترسل المحكمة إعلاما بذلك للزوجة؛ لتبدأ الآثار المترتبة على الطلاق من تاريخ صدوره، ومن ذلك بداية العدة.
والطلاق الإلكتروني يثبت بوسائل الإثبات الشرعية القديمة والحديثة، وفيما يلي بيانها في الفروع الآتية:
.الفرع الأول – الإقرار
أولا – الإقرار لغة واصطلاحا: تفيد قواميس اللغة العربية أن الإقرار هو الإثبات من قر بالشيء، يقر به، وأقر بالحق اعترف به مأخوذ من المقر، وهو المكان كأن المقر جعل الحق في موضعه، ويقال أقررت الكلام لفلان إقرارا، أي بينته حتى عرفه
وفي اصطلاح الفقهاء: إخبار بالحق في مجلس القضاء على وجه ينفي عن المقر التهمة والريبة، إلا أنه ليس إخبارا محضا، وإنما هو إخبار من وجه، وإنشاء من وجه.
وصورته أن يخبر الزوج في مجلس القضاء أنه طلق زوجته، ويحدد صيغة الطلاق، ووسيلة الاتصال، وزمانه، ومكانه، وكيفيته، وأنه كان بكامل الأهليه، وقاصدا طلاق زوجته، وخروجها من قيد.النكاح الصحيح المبرم بينهما
5 – قوله – صلى الله عليه وسلم -: ” واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها ”
6 – أجمعت الأمة على صحة الإقرار؛ لأن العاقل لا يكذب على نفسه كذبا يضر بها.
7 – البينة العادلة مظهرة للحق؛ لأن الإنسان لا يقر على نفسه كذبا، فكان القضاء بالإقرار قضاء بالحق، والإقرار آكد من الشهادة، فإن المدعى عليه إذا اعترف لا تسمع عليه الشهادة، وإنما تسمع إذا أنكر.
شرائط الإقرار:
يشترط في الإقرار ما يلي:
أ – أن يكون المقر عاقلا مختارا، فلا يصح الإقرار من المجنون، والمعتوه، والمغمى عليه، والنائم، والمكره.
ب – أن يكون الإقرار معبرا عن إرادة المقر صراحة، أ و دلالة، ومتفقا مع موضوع الدعوى، أي منتجا.
ج – ألا يكذب ظاهر الحال الإقرار.
د – أن يكون المقر له ممن يثبت له الحق، أي أن تكون له أهلية وجوب، فلا يصح الإقرار بدين لبهيمة.
ه – أن لا يكذب المقر له المقر في إقراره.
والإقرار حجة قاصرة على المقر؛ لأنه شهادة على النفس، وهو أقوى أدلة الإثبات.
ويقسم الإقرار إلى قسمين:
الأول – الاقرار القضائي: وهو اعتراف الخصم، او من ينوب عنه اذا كان مأذوناً له بالاقرار بواقعة أدعي بها عليه، وذلك أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة.
والثاني – الاقرار غير القضائي: وهو الذي يقع في غير مجلس الحكم، أو يقع في مجلس الحكم في غير الدعوى التي اقيمت بالواقعة المقر بها.
وحكم الإقرار: ثبوت الحق المقر به في ذمة المقر لغيره، وليس إثبات هذا الحق بواسطة الإقرار ابتداء، أي أن الإقرار كشف لنا عن ثبوت الحق في ذمة المقر في الماضي بسبب من الأسباب الشرعية غير الإقرار
الفرع الثاني – الشهادة
أولا – الشهادة لغة: تفيد قواميس اللغة العربية، أن للشهادة عدة معان هي:
أ – الإطلاع على الشيء ومعاينته، تقول: شهدت كذا، أي اطلعت عليه، وعاينته.
ب – الحضور، تقول: شهد المجلس، أي حضره.
ج – العلم: تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أي أعلم وأبين.
د – الإخبار بالشيء خبرا قاطعا، تقول: شهد فلان على كذا، أي أخبر به خبرا قاطعا.
ه – الحلف، تقول: أشهد بالله لقد كان كذا، أي أحلف.
والشهادات جمع شهادة، وتجمع باعتبار أنواعها، وإن كانت في الأصل مصدرا.
ثانيا: الشهادة اصطلاحا:
عرفت المجلة الشهادة:
الإخبار بلفظ الشهادة. يعني يقول أشهد بإثبات حق أحد الذي هو في ذمة الآخر في حضور القاضي، ومواجهة الخصمين، ويقال للمخبر شاهد، ولصاحب الحق مشهود له، وللمخبر عليه مشهود عليه، وللحق مشهود به.
ثالثا: العلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي.
تبين بوضوح أن كلمة أشهد تجمع عدة معان، لا تحتويها كلمة أخرى، وهي: الحضور، والعلم، والإخبار القاطع، وكل هذه المعاني لا بد منها؛ لقبول الشهادة من الشاهد؛ ولهذا ذهب جماهير الفقهاء ومنهم الحنفية، والشافعية، والحنابلة إلى جعل كلمة أشهد من أركان الشهادة؛ لعدم وجود كلمة أخرى تشتمل على مضامين الشهادة المقبولة شرعا.
رابعا: حكم الشهادة.
الشهادة فرض على الكفاية، يحملها بعض الناس عن بعض كالجهاد، إلا في موضع ليس فيه من يحمل ذلك ففرض عين، ودليل وجوبها، قول الله تعالى: ( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(البقرة: من الآية283)
والشهادة أمانة، يجب أداؤها عند طلبه كالوديعة، فإن عجز عن إقامتها، أو تضرر بها، لم تجب عليه؛ لقوله تعالى: ( وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة: من الآية282)
ومن له الكفاية من المال، فليس له أخذ الجعل أو الأجر على الشهادة؛ لأنه أداء فرض، فإن فرض الكفاية، إذا قام به البعض وقع منه فرضا، ومن لم تكن له كفاية، ولا تعينت عليه، حل له أخذه.
والشهادة في الحدود يخير فيها الشاهد بين الستر والإظهار؛ لأنه بين حسبتين: إقامة الحد، والتوقي عن الهتك، والستر أفضل.
وصورة الشهادة في الطلاق الإلكتروني: أن يشهد عدلان من الرجال، أو رجل وامرأتان في مجلس القضاء على وقوع الطلاق من الزوج مضافا إلى زوجته، سواء تم الطلاق أمامهما، كأن يكونا مع المطلق في مجلس الطلاق، أو أن يقر المطلق أمامهما بطلاق زوجته، كأن يقول أمامهما طلقت زوجتي، وأرسلت لها رسالة نصية بذلك، أو بالبريد الإلكتروني، إذا سبق الإقرار بقرائن قوية تدل على وقوعه.
ودعوى الطلاق، وكذلك الشهادة من دعاوى الحسبة، أو الحق الشرعي العام، ومع هذا يطلب القاضي توضيح الدعوى من المدعية، وينبغي التطابق في شهادة الشهود، ووقائع الدعوى من حيث زمن الطلاق، ومكانه، وكيفته، والحال التي كان فيها المطلق، وكل ذلك بعد أن يتأكد القاضي من وجود زواج صحيح بين الزوجين قبل وقوع الطلاق، لأن الطلاق فرع عن زواج صحيح.
الفرع الثالث – السجل والتوقيع الإلكتروني.
العصر الذي نعيش فيه يسمى بعصر التقنية، وأصبحت التعاملات الإدارية، والتنظيمية تتم الكترونيا باستخدام أجهزة التقنية، كالحاسب الآلي، والانترنت، وتوجد صعوبة في إثبات التعاملات الإلكترونية، مما استدعى كثيرا من الدول؛ لإيجاد التشريعات المنظمة لذلك، ومن هذه الدول، دول أوروبا، وأمريكيا، والصين، وروسيا، واليابان، وماليزيا، ومن البلاد العربية، السعودية، ومصر، والإمارات، والأردن، وتونس، وغيرها.
وقبل الحديث عن حجية السجل الإلكتروني، وكذلك التوقيع الإلكتروني فلا بد من تحديد مفهوم السجل الإلكتروني، والتوقيع الإلكتروني من خلال القوانين المعمول بها في دول العالم بشكل عام، والإسلامي بشكل خاص وهي متقاربة في الجملة، ومن ثم تأصيلها الفقهي والشرعي.
أولا – تحديد مفهوم السجل الإلكتروني:
جاء في قانون المعاملات الإلكترونية الأردني ما يلي:
1 – السجل الالكتروني: هو القيد، او العقد، او رسالة المعلومات التي يتم انشاؤها، او ارسالها، او تسلمها، او تخزينها بوسائل الكترونية.
2 – المعاملات الالكترونية: هي المعاملات التي تنفذ بوسائل الكترونية
3 – والوسائل الالكترونية: هي وسائل كهربائية، او مغناطيسية، او ضوئية، او اكترومغناطيسية، او أي وسائل مشابهة في تبادل المعلومات وتخزينها.
4 – وتبادل البيانات الالكترونية: يعني نقل المعلومات الكترونيا من شخص الى آخر باستخدام نظم معالجة المعلومات، والمعلومات تشمل البيانات، والنصوص، والصور، والاشكال، والاصوات، والرموز، وقواعد البيانات، وبرامج الحاسوب وما شابه ذلك. 5 – رسالة المعلومات: تعني المعلومات التي يتم انشاؤها، او ارسالها، او تسلمها، او تخزينها بوسائل الكترونية، أو بوسائل مشابهة بما في ذلك تبادل البيانات الإلكترونية، أو البريد الإلكتروني، أو البرق، أو التلكس، أو النسخ الرقمي.
ثانيا – تحديد مفهوم التوقيع الإلكتروني.
التوقيع الالكتروني: هوالبيانات التي تتخذ هيئة حروف او ارقام او رموز او اشارات او غيرها وتكون مدرجة بشكل الكتروني، او رقمي، او ضوئي، او أي وسيلة اخرى مماثلة في رسالة معلومات، او مضافة عليها او مرتبطة بها، ولها طابع يسمح بتحديد هوية الشخص الذي وقعها ويميزه عن غيره من اجل توقيعه، وبغرض الموافقة على مضمونه.
وعلى هذا يفترض أن التوقيع قد وضع من قبل الموقع؛ للتدليل على موافقته على مضمون المحرر، أو السجل، أو أنه قد وضعه الشخص المحدد في شهادة التصديق الرقمي، وبحسب الغرض المحدد فيها، كما يفترض أن السجل لم يطرأ عليه تغيير منذ وضع التوقيع الإلكتروني عليه.
وتتعدد صور التوقيع الإلكتروني وتتطور مع الزمن، ومنها:
أ – التوقيع الكودي أو السري: ويكون باستخدام مجموعة من الأرقام أو الحروف أو كليهما يختارها صاحب التوقيع؛ لتحديد شخصيته، ولا تكون معلومة إلا منه هو فقط، ومن يبلغه بها، وغالبا ما يرتبط هذا التوقيع بالبطاقات البلاستيكية والممغنطة وغيرها من البطاقات الحديثة المزودة بذاكرة الكترونية، وينتشر استعمال هذه الطريقة من التوقيع في عمليات المصارف، والدفع الإلكتروني بصفة عامة.
ب – التوقيع البيومتري: ويعتمد هذا التوقيع على الصفات الخاصة بالإنسان، كبصة اليد، أو العين، أو الصوت، بعد أن تخزن المعلومات الخاصة بذلك بطريقة مشفرة في ذاكرة الحاسب الآلي؛ لتتم المطابقة بعد ذلك بين صفات المستخدم، والصفات المخزنة.
ج – التوقيع الرقمي: وتتم الكتابة الرقمية للتوقيع ولمحتوى المعاملة عن طريق التشفير الذي يتم باستخدام مفاتيح سرية، وطرق حسابية معقدة.
ثالثا – التأصيل الفقهي والشرعي للسجل والتوقيع الإلكتروني.
اختلف الفقهاء في حصر طرق الإثبات، وإطلاقها إلى فريقين:
الأول – ذهب جماهير الفقهاء ومنهم الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أن طرق الإثبات محصورة في عدد معين مع اختلافهم في العدد، وهي الطرق التي ورد فيها نص شرعي صراحة، أو دلالة، فلا يقبل غيرها في إثبات الدعوى، ولايجوز للقاضي أن يحكم إلا بناء عليها، والذي دفعهم لذلك التحوط في حفظ الحقوق، وعدم فتح الباب أمام الظلمة من الحكام؛ للتسلط على أموال الناس، وحقوقهم بطرق واهية ضعيفة لا أساس لها من الشرع.
وقال ابن نجيم الحنفي: ” الحجة: بينة عادلة، أو إقرار، أو نكول عن يمين، أو يمين، أو قسامة، أو علم القاضي بعد توليته، أو قرينة قاطعة .
وقال ابن رشد المالكي: ” القضاء يكون بأربع: الشهادة، واليمين، والنكول، والإقرار.
والثاني – يرى أن طرق الإثبات ليست محصورة في عدد معين، بل تشمل كل ما يثبت به الحق؛ وعلى هذا الأصل للخصوم أن يقدموا الوسائل التي تثبت الحق، وتقنع المحكمة، وللقاضي أن يقبل من الأدلة ما ثبت منها لديه بعد وزن البينات المقدمة في الدعوى، وعلى هذا الأصل يتخرج السجل أو المحرر الإلكتروني، وكذلك التوقيع الإلكتروني، كوسيلة معاصرة في إثبات الحقوق لدى القضاء.
قال ابن فرحون المالكي: ” البينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره، وسمى النبي – صلى الله عليه وسلم – الشهود بينة؛ لوقوع البيان بقولهم، وارتفاع الإشكال بشهادتهم .
وقال الشيرازي الشافعي: ” ويقع البيان بالقول، ومفهوم القول، والفعل، والاقرار، والاشارة والكتابة، والقياس .
وقال ابن القيم: ” البينة في كلام الله، ورسوله، وكلام الصحابة اسم لكل ما يبين الحق، فهي أعم من البينة في اصطلاح الفقهاء حيث خصوها بالشاهدين، أو الشاهد واليمين، ولا حجر في الاصطلاح ما لم يتضمن حمل كلام الله، ورسوله عليه، فيقع بذلك الغلط في فهم النصوص، وحملها على غير مراد المتكلم منها.
حجية السجل والتوقيع الإلكتروني:
تبين لنا دقة وصحة ماذهب إليه المحققون من الفقهاء، كابن تيمية، وابن فرحون، وابن القيم، أن البينة تشمل كل ما يثبت الحق ويبينه؛ وهذا أمر مؤصل في أدلة كثيرة من القرآن والسنة نص عليها هذا الفريق في كتبهم المتخصصة في القضاء، والسياسة الشرعية، وبناء على ذلك نستطيع القول إن الفقه الإسلامي يستوعب كل ما يتوصل إليه علماء العصر من تقنية في مجال إثبات الحقوق، ومنع الجرائم ما دامت قاطعة في الحقوق التي لا تثبت إلا بأدلة قطعية، أو ظنية في الحقوق التي تثبت بأدلة ظنية، أما الأدلة التي تفيد الشك والوهم والتردد شرعا وعقلا وواقعا، فلا يبنى عليها حكم أو قرار.
إذا ثبت هذا: فإن المحرر الإلكتروني، والتوقيع الإلكتروني، يأخذ حكم البينات الخطية بنوعيها الرسمي، والعادي، كل وفق موضوعه وجهة اختصاصه، ويعطي الفقه الإسلامي السلطة التقديرية المقيدة بالمصلحة والعدل إلى القضاء، وفيما يلي بيان ذلك:
أ – الكتابة دليل من أدلة الإثبات، سواء أكانت عادية، أم الكترونية، رسمية، أم عرفية.
ب – السندات الرسمية هي التي ينظمها الموظفون الذين من اختصاصهم تنظيمها طبقاً للاوضاع القانونية، ويحكم بها دون ان يكلف مبرزها اثبات ما نص عليه فيها، ويعمل بها ما لم يثبت تزويرها، أي حجة قاطعة فيما نظمت لأجله، ولا تقبل الطعن إلا بالتزوير، وهذا يشمل الوثائق التي تصدر عن الحكومات الإلكترونية.
ج – السند العادي: هو الذي يشتمل على توقيع من صدر عنه، او على خاتمه، او بصمة اصبعه، وليست له صفة السند الرسمي، ومن احتج عليه بسند عادي وكان لا يريد أن يعترف به وجب عليه أن ينكر صراحة ما هو منسوب اليه من خط، او توقيع، او خاتم، او بصمة أصبع والا فهو حجة عليه بما فيه.
د – تكون للرسائل قوة الاسناد العادية من حيث الاثبات، ما لم يثبت موقعها انه لم يرسلها ولم يكلف أحداً بارسالها، وتكون للبرقيات هذه القوة أيضا إذا كان أصلها المودع في دائرة البريد موقعاً عليه من مرسلها، وتكون لرسائل الفاكس، والتلكس، والبريد الالكتروني قوة السندات العادية في الاثبات، وتكون رسائل التلكس بالرقم السري المتفق عليه بين المرسل والمرسل اليه حجة على كل منهما، وتكون لمخرجات الحاسوب المصدقة، او الموقعة قوة الاسناد العادية من حيث الاثبات، ما لم يثبت من نسبت اليه انه لم يستخرجها او لم يكلف احدا باستخراجها.
ويشترط في الطلاق الإلكتروني؛ ليأخذ الأحكام السابقة ما يلي:
1 – إمكانية القراءة، أي أن تكون الرسالة معبرة عن محتواها.
2 – القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات؛ لإمكان الرجوع إليها عند الحاجة.
3 – عدم القابلية للتعدليل، أي عدم قابلية المحرر الإلكتروني للتعديل والتغيير، ويهدف هذا الشرط إلى إضفاء عنصر الثقة والأمان على المحرر الإلكتروني حتى يمكن الاعتماد عليه ومنحه الحجة الشرعية والقضائية.
وإذا استوفت المستندات الإلكترونية الشروط السابقة أصبحت حجة، كالدليل الكتابي الذي يتمتع بالحجية في الإثبات.
الفرع الرابع – نكول المدعى عليه، ويمين المدعية.
تكلف المدعية بالطلاق بإثبات دعوى الطلاق، إذا أنكر الزوج الطلاق؛ لأن جانب المدعية ضعيف؛ لأنها تدعي خلاف الظاهر، فكانت الحجة القوية واجبة عليها؛ ليتقوى بها جانبها الضعيف، والحجة القوية هي البينة، وجانب المدعى عليه قوي؛ لأن الأصل عدم الطلاق فاكتفي منه بالحجة الضعيفة، وهي اليمين وهذا أصل يستند إلى أدلة كثيرة نذكر منها:
3 – جاء رجل من حضرموت، ورجل من كندة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم – فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض لي، فقال الكندي: هي أرضي، وفي يدي ليس له فيها حق، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم- للحضرمي: ” ألك بينة؟ قال:لا، قال: فلك يمينه، قال: يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء، قال: ليس لك منه إلا ذلك، قال: فانطلق الرجل؛ ليحلف له، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما أدبر لئن حلف على مالك؛ ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض. “
إذا ثبت هذا: فإن قطع الخصومة حق للمدعي على المدعى عليه، فلو حلف المدعى عليه؛ لانقطعت الخصومة فإذا نكل، فقد ذهب الحنفية ومن معهم إلى القضاء بالنكول، وذهب الشافعية وقول للمالكية، إلى القضاء بالنكول ويمين طالب الدعوى أي المدعي، وذهب الحنابلة والظاهرية إلى عدم القضاء بالنكول.
جاء في كتاب الهداية: ” وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين قضى عليه بالنكول، وألزمه ما أدعي عليه، وقال الشافعي- رحمه الله -: لا يقضى به، بل يرد اليمين على المدعي فإذا حلف يقضى به؛ لأن النكول يحتمل التورع عن اليمين الكاذبة، والترفع عن الصادقة، واشتباه الحال، فلا ينتصب حجة مع الاحتمال، ويمين المدعي دليل الظهور، فيصار إليه ولنا أن النكول دل على كونه باذلا، أو مقرا إذ لولا ذلك؛ لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعا للضرر عن نفسه، فترجح هذا الجانب، ولا وجه لرد اليمين على المدعي .
وقال النووي: ” إذا أنكر المدعى عليه، واستحلف، فنكل عن اليمين لم يقض عليه بالنكول بل ترد على المدعي، فإن حلف قضى له .
وقال ابن القيم: ” وإن نكل عن اليمين فمن قضى عليه بالنكول قال: النكول إقرار أو بذل وهذا جيد إذا كان المدعى عليه هو الذي يعرف الحق دون المدعي، قال عثمان لابن عمر تحلف أنك بعته، وما به عيب تعلمه، فلما لم يحلف قضى عليه، وأما الأكثرون فيقولون إذا نكل ترد اليمين على المدعي، فيكون نكول الناكل دليلا، ويمين المدعي دليلا ثانيا، فصار الحكم بدليلين “.
والراجح في نظري القضاء بالنكول واليمين معا؛ لتحقيق غلبة الظن بالنكول واليمين معا، وفيما يتعلق بالطلاق الإلكتروني، فإن الحنفية، والمالكية، والحنابلة في قول لهم أن الطلاق لا يثبت باليمين، ولا النكول، وإنما تثبت الحقوق المالية بهما فقط، وأنا أميل إلى رأي الشافعية، وابن القيم، في قبول اليمين، والنكول عنها في إثبات الطلاق.
يؤيد ذلك ما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إذا ادعت المرأة طلاق زوجها، فجاءت على ذلك بشاهد عدل استحلف زوجها، فإن حلف بطلت شهادة الشاهد، وإن نكل، فنكوله بمنزلة شاهد آخر، وجاز طلاقه .
أحكام الطلاق الإلكتروني
يترتب على الطلاق الإلكتروني أحكام، وآثار، نجملها فيما يلي:
أولا – العدة.
العدة مدة معينة شرعا تمنع فيها المطلقة المدخول بها، أو المتوفى عنها زوجها من الزواج بآخر، وتبدأ العدة بمجرد وقوع الطلاق، علمت به الزوجة، أم لم تعلم.
واتفق الفقهاء على عدم وجوب العدة على المرأة قبل الخلوة بها، أو الدخول، وإن كان الطلاق بعد الدخول، أو المسيس، فعليها العدة، وإن طلقها بعد الخلوة، واتفقا على عدم المسيس، فالعدة واجبة عند الجمهور خلافا للشافعية، والضابط في ذلك:
كل طلاق أو فسخ وجب فيه جميع الصداق، وجبت فيه العدة، وحيث سقط المهر كله، أو لم يجب إلا نصفه، سقطت العدة.
وقيد الظرف الوارد في الآية معتبر في التشريع، وعلى هذا لا تجب العدة على المطلقة قبل الدخول.
والآية نص في الموضوع؛لأنها تنص صراحة على وجوب العدة للمطلقات، وهي التربص دون زواج مدة ثلاثة قروء.
ج – قال – صلى الله عليه وسلم -: ” لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا .
والحديث ينص صراحة على عدة المتوفى عنها زوجها، وقد انعقد إجماع الأمة على مشروعية العدة، فمن طلقت طلاقا الكترونيا رجعيا، ومات زوجها أثناء العدة، تنقلب عدتها إلى عدة وفاة، وترث منه الإرث الشرعي المقرر لها؛ لأن الزوجية تبقى قائمة أثناء عدة الطلاق الرجعي.
الخلاصة
أولا – الطلاق الإلكتروني: هو حل رابطة الزواج بلفظ مقصود من الزوج صراحة، أو كناية، أو بالفعل الصريح، أو الكنائي عبر وسائل الاتصال الحديثة، كالاتصالات الخلوية، والرسائل النصية (SMS)، أو برامج المحادثة الفورية، أو البريد الالكتروني.
وعلى هذا يشمل الطلاق الالكتروني جميع صور الطلاق التي ترسل، أو تسلم، أو تخزن بوسائل الكترونية، أو بوسائل مشابهة بما في ذلك تبادل البيانات الإلكترونية، أو البريد الإلكتروني، أو البرق، أو التلكس، أو النسخ الرقمي.
ثانيا – يتميز الطلاق الإلكتروني عن الطلاق العادي في الدور الذي يؤديه الوسيط الإلكتروني المستخدم في إيقاع الطلاق، وما ينجم عن ذلك من خصوصية في طريقة وقوعه؛ لأنه يتم عن بعد مكاني بين الزوجين، وإن كان في بعض صوره يتم باتصال مباشر.
والوسيط الإلكتروني لا يخرج عن كونه برنامج حاسوب، أو أي وسيلة الكترونية أخرى تستعمل من أجل تنفيذ إجراء، أو الاستجابة لإجراء بقصد إنشاء رسالة معلومات، أو إرسالها، أو تسلمها دون تدخل شخصي.
ثالثا – الطلاق الإلكتروني، طلاق مكروه لا حاجة له؛ لما فيه من التسرع، والضرر الواقع، أو المتوقع بالزوجة، والزوج معا، والتجاحد أو النكران؛ ولئلا يموت أحدهما فيدعي الباقي ثبوت الزوجية ليرث؛ وقد تطول عدة الزوجة بسببه، كما يصعب عليها إثباته لما فيه من الجحود والنكران، ويؤدي إلى عدم استقرار الزوجية، ومدعاة للهو والعبث، وذريعة للإفساد والتلاعب بأمن المجتمع واستقراره، والله سبحانه وتعالى أحاط الأسرة بالحماية، وجعل عقد الزواج ميثاقاً غليظاً.
رابعا – يقع الطلاق من الزوج الذي يرسل رسالته بوجه شرعي صحيح، ويكون في الحالة المعتبرة شرعاً وقت كتابته للرسالة، بمعنى أن يكون بكامل قواه العقلية، وغبر مكره، أولا يدري ما الذي يكتب، وأن تكون صيغة الطلاق موجهة إلى الزوجة بطريقة لا لبس فيها، ولا غموض، قاصدا الطلاق، وما يترتب عليه من أحكام، وأما إذا كان غير ذلك فلا يقع الطلاق.
خامسا – يثبت الطلاق الإلكتروني في المحاكم المختصة أصولا، بالإقرار، والبينتين الشخصية، والخطية، واليمين والنكول عنه، بدعوى من الزوج أو الزوجة، أو أي طرف؛ لأن الطلاق من دعاوى الحسبة، وتسمى الدعوى بدعوى تسجيل طلاق أو تثبيته.
سادسا – كثر وقوع الطلاق الإلكتروني في عصرنا الحاضر، وأصبح ظاهرة تستوجب المعالجة القانونية، أو النظامية بنصوص، وضوابط، واضحة، وصريحة، وعدم الاكتفاء بالعموميات؛ للتسهيل على الناس والقضاة معا.
سادسا – يجب على الزوج تسجيل طلاقه لدى المحكمة المختصة أصولا، وفي حال عدم قيامه بذلك يعاقب بالعقوبة التعزيرية المناسبة المقررة شرعا ونظاما، وعلى الزوجة سرعة رفع دعوى تثبيت الطلاق، إن لم يقم الزوج بتسجيل، وتبيت طلاقه.
سابعا – تبدأ عدة المطلقة الكترونيا فور وقوع الطلاق، وعلى الزوج مراجعة زوجته قبل نفاذ عدتها، تصحيحا للخطأ، والإثم الذي أوقع نفسه فيه.