البطلان مفهومه وأسبابه فقها وقانونا

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . أما بعد: سوف نتحدث عن البطلان في المعاملات وليس البطلان في جميع الأحكام ونكتب ماطلع عليه المحامي والموثق صالح نايف ال حزام في بحوثه.


فالبطلان قد يكون في الأحكام العقدية، وقد يكون في الأحكام التعبدية وقد يكون في المعاملات، والبطلان في الأحكام العقدية دقيق جدًا فـثبوت عقد الإسلام وترتب آثاره ابتداء من أيسر ما يكون، فإثباته يكون بإحدى ثلاث طرق: النطق بالشهادتين وهو الأصل، أو بالكناية مع النية، أو بالإتيان بشعيرة ظاهرة، أما العبادات: فبطلانها نصـيّ، لا يدخل النظر أو التقعيد العام، أما المعاملات: فلا بد أن نعلم أنهـا معلــلة وليست كالعبادات، حيث لا يعرف ولا يتصور وجه البطلان في العبادات لأننا لا نعرف ولم نتصور وجه التعبد في العبادة أو العلة، أما المعاملات فالأصل أنها معللة، أي لها علل لا بد أن تراعى في صحتها وبطلانها وهذا من الفروق الدقيقة بين المعاملة في الفقه والمعاملة في القانون، حيث ينظر في المعاملات للقانون للشكل أما في الفقه فينظر للمقاصد والغايات، فالقاعدة أن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني، لا الألفاظ والمباني، كما لو قال شخص لآخر أهديتك هذا الجهاز بألف ريال، فهنا يعد بيعًا لا هدية، فالعبرة بالمعاني وما تؤول إليه وليس بمجرد المباني، كذلك فقضية الأخلاق ضابط أصلي للمعاملات في الفقه بينما لا يراعى هذا في القاعدة القانونية.

  • مفهوم البطلان:

لغة: جاء استعمال البطلان في المعنى اللغوي كثيرًا في القرآن، فهو بمعنى ذهاب الشيء وضياعه وخسارته، كقوله تعالى: “وباطل ما كانوا يعملون” وكذلك؛ “ويحق الحق ويبطل الباطل”، وكذلك جاء في الحديث عن سورة البقرة ” فإن أخذها بركه، وتركها حسره، ولا يستطيعها البطلة” البطلة جمع البطال وهو الخاسر وهم السحرة فالله يقول “ولا يفلح الساحر حيث آتى” أي فعله باطل وخاسر.

اصطلاحا:

في الاصطلاح الفقهي: هو عدم ترتب الآثار الشرعية على الفعل أو التصرف.

والتصرف يشمل الافعال الحقيقة والاقوال، فهو يشمل كل ما يصدر عن الإنسان.

وهناك تفريق عند الفقهاء بين البطلان في العبادات والمعاملات، لكن هذا التعريف يشمل الاثنين، فلا تترتب الآثار الشرعية على العبادة فلا تُجــزئ، وعدم ترتب الآثار الشرعية على المعاملة فلا تنفُذ ولا تلزم، فهذا التعريف جامع يشمل كل بطلان في الشرع.

في الاصطلاح النظامي: هناك العديد من التعريفات سواء في الإجراءات الجزائية أو المرافعات الشرعية، لكن البطلان في الأنظمة عموما هو: جزاء يترتب عند فقد التصرف لأحد الشروط الموضوعية أو الشكلية المطلوبة لصحته نظامًا.

والفرق بين القاعدة الشكلية والموضوعية هو: أن القاعدة الشكلية فهي المتعلقة بالإجراءات، أما الموضوعية هي المتعلقة بالحقوق والواجبات أي موضوع العقد نفسه أو موضوع التصرف والعمل، مثــال: التراضي شرط موضوعي للتعاقد لو انتفى بطل العقد، كذلك يمنع النظام المحامي من شراء الحق المتنازع عليه كأرض في قضيه عقارات موكولة إليه وهذا شرط شكلي، فهذا العقد موضوعيا صحيح لأن التراضي والأركان والشروط متوفرة، لكن شكليًا لا يصح هذا العقد لمنع نظام المحاماة لذلك ففيه مخالفة لمادة نظامية التي جاءت حماية للحقوق، لأن في ذلك استغلال لمهنته، فالشروط التي يترتب على فقدها البطلان لا يشترط أن تكون شرعية مأخوذة من مقتضي النص الشرعي أنما ممكن أن تكون تنظيمية أو اتفاقية بين المتعاقدين.

إذاً هناك اتفاق وافتراق بين أحكام البطلان في الفقه والقانون.

  • الفرق بين البطلان في الفقه والفلسفة القانونية:

١- أن البطلان في الفقه يعتني بالمضمون أكثر من الشكل بخلاف البطلان في القانون، ومن ذلك قول الرسول ” لا يبع أحدكم على بيع أخيه”، ففي القانون لو باع الرجل على بيع أخيه أو سام علي سوم أخيه فالعقد صحيح كامل بتراضي، لكنه شرعًا وفق المذهب الحنبلي باطل لا يصح ويفسخ، ففيه اهتمام بالجانب الأخلاقي والمضمون والجانب المقاصدي.

٢- البطلان في الفقه أوسع من القانون، فهو في القانون محدود بما ينص عليه في الأنظمة، فالفقه واسع فحتى صور البطلان فيه متجددة؛ فلإن كانت أصول التحريم والبطلان في الفقه محصورة فإن كل صوره تدخل تحت هذه الأصول تأخذ حكمها، فدائما ما تظهر صور متجددة للقمار والربا والغرر لكن في النهاية أصولها محصورة، فهو أوسع من حيث الصور وإن كان أضبط من حيث الأصول.

٣- أن المعاملة في القاعدة القانونية إما صحيحة أو باطلة، لكن المعاملة في الفقه متدرجة وليست فقط صحيحة أو باطلة، فهي على خمس مراتب وليست على مرتبتين كما في القانون، ويترتب على هذا الفرق آثار فقهية كثيرة، فبيع الفضولي أو بيع من لا يملك ففي القانون (باطل)، أما في الفقه ففيه خلاف وهو على الرأي الراجح أنه (بيع موقوف) وهي مرحلة تتوسط البطلان والصحة ومن ذلك ما روي عن عروة البارقي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً يشتري له به شاةً، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، فجاء بدينارٍ وشاةٍ للرسول، فهنا عقدان قام بهما بلا إذن وهما شراء الشاة الثانية وبيعها، فهو تصرف فيما لا يملك ولم يبطله الرسول وإنما أقره، وهذا النوع من البيوع تتحقق به مصالح الناس ويدفع به الضرر عن الطرفين.

اترك ردّاً

Call Now Buttonاتصل الآن