الإثبات بالقرائن واقسامها

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، اما بعد : ذكر المحامي والموثق تفصيلا حول موضوع الإثبات بالقرائن واقسامها وفيما ياتي اهم ماذكر فيها : 


القرائن:

القرائن جمع قرينة، والمراد بها: كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا فتدل عليه.

أقسام القرائن:

للقرائن أقسام على عدة اعتبارات:

أولا: أقسام القرائن باعتبار مصدرها :

  • القرائن النصية
  • القرائن الفقهية
  • القرائن القضائية

القسم الأول: القرائن النصية، وهي القرائن المنصوص عليها في الكتاب أو السنة: ومثالها من الكتاب: قوله تعالى: (وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين).

ومثالها من السنة: ما روت عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل علي قائف، والنبي شاهد، واسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض. قال: «فسر بذلك النبي وأعـجبه، فأخبر به عائشة»

القسم الثاني: القرائن الفقهية، وهي القرائن التي استنبطها الفقهاء، ومن أمثلتها: أن التقادم في وضع اليد دليل على ملكية العقار وعدم صحة الدعوى على واضع اليد، فقد تحدث الفقهاء عن هذه المسألة ، ومن ذلك ما ذكره ابن القيم: أن من مذهب أهل المدينة في الدعاوى ـ الذي ذكر أنه أسد المذاهب واصحها – ان من حاز عقارا يتصرف فيه السنين الطويلة، وينسبه إلى نفسه، ويضيفه إلى ملكه، وإنسان حاضر يراه، ويشاهد أفعاله فيه طول هذه المدة، وهو مع ذلك لا يعارضه فيه، ولا يذكر أنه له فيه حقا، ولا مانع يمنعه من مطالبته، ولا بينه وبين المتصرف قرابة ولا شركة في ميراث أو ما شبه ذلك مما تتسامح فيه القرابات والصهر بينهم ثم جاء بعد طول هذه المدة يدعيه لنفسه، ويزعم أنه له، ويريد أن يقيم بذلك بينة، فدعوه غير مسموعة أصلا فضلا عن بينته، ويبقى العقار بيد حائزه؛ لأن كل دعوى يكذبها العرف وتنفيها العادة فإنها مرفوضة غير مسموعة.

القسم الثالث: القرائن القضائية، وهي التي يستنبطها القاضي من خلال وقائع القضية ومرافعات الخصوم و دفوعهم، فيستدل بها على ثبوت شيء أو نفيه. ومن ذلك ما ذكره ابن القيم عن القاضي أبي حازم، في الطرق الحكمية، قال: «قال مكرم بن احمد :كنت في مجلس القاضي أي حازم فتقدم رجل شيح ومعه غلام حدث، فادعى الشيخ عليه ألف دينار دينا، فقال: ما تقول؟ قال: نعم. فقال القاضي للشيخ ما تريد؟ قال: حبسه؟ قال: لا، فقال الشيخ: إن رأى القاضي أن يحبسه فهو أرجى لحصول مالي. فتفرس بو حازم فيهما ساعة. ثم قال: تلازما حتى أنظر في أمركما في مجلس خر، فقلت له: لم أخرت حبسه؟ فقال: ويحك، إفني أعرف في أكثر الأحوال في وجوه الخصوم وجه المحق من المبطل، وقد صارت لي بذلك دراية لا تكاد تخطى، وقد وقع إلي أن سماحة هذا بالإقرار عين كذبه ولعله ينكشف لي من أمرهما ما أكون معه على بصيرة، أما رأيت قلة تقصيهما في الناكرة، وقلة اختلافهما، وسكون طباعهما مع عظم المال؟ وما جرت عادة الأحداث بفرط التورع حتى يقر مثل هذا طوعا عجلا، منشرح الصدر على هذا المال، قال: فنحن كذلك نتحدث إذ أتى الآذن يستأذن على القاضي لبعض التجار، فأذن له، فلما دخل قال: أصلح الله القاضي، إني بليت بولد لي حدث يتلف كل مال يظفر به من مالي في القيان عند فلان فإذا منعته احتال بحيل تضطرني إلى التزام الغرم عنه. وقد نصب اليوم صاحب القيان يطالب بألف دينار حالا، وبلغني أنه تقدم إلى القاضي ليقر له فيحبسه. واوقع مع أمه فيما ينكد عيشنا إلى أن أقضي عنه. فلما سمعت بذلك بادرت إلى القاضي لأشرح له أمره، فتبسم لقاضي، وقال لي: كيف رأيت؟ فقلت: هذا من فضل الله على القاضي، فقال: علي بالغلام والشيخ. فأرهب أبو حازم الشيخ، ووعظ الغلام. فأقرا، فأخذ الرجل ابنه وانصرفا»

 

أقسام القرائن باعتبار علاقتها بمدلولها :

  • القرينة العرفية
  • القرينة العقلية

القسم الاول: القرينة العرفية، وهي التي تكون النسبة بينها وبين مدلولها قائمة على عرف أو عادة تتبعها دلالتها وجودا وعدما، كشراء الصائغ خاتما فإنه قرينة على أنه اشتراه للتجارة، فلولا عادة التجارة بالمصوغات عنده لما كان ذلك قرينة.

القسم الثاني: القرينة العقلية، وهي التي تكون النسبة بينها وبين مدلولها ثابتة يستنتجها العقل دائما، كوجود المسروقات عند المتهم بالسرقة.

ثالثا: أقسام القرائن من حيث قوة دلالتها

القسم الأول: القرينة القاطعة، وهي القرينة الواضحة التي تعد في حكم المقطوع به، ومثالها: ما ذكره ابن القيم أن: «من قضايا علي رضي الله عنه: أنه أتي برجل وجد في خربة بيده سكين متلطخة بدم، وبين يديه قتيل يتشحط في دمه، فسأله؟ فقال: أنا قتلته، قال: اذهبوا به فاقتلوه، فلما ذهب به أقبل رجل مسرعا، فقال: يا قوم، لا تعجلوا. ردوه إلى علي، فردوه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، ما هذا صاحبه، أنا قتلته. فقال علي للأول: ما حملك على أن قلت: أنا قاتله، ولم تقتله؟ قال: يا أمير المؤمنين، وما أستطيع أن أصنع؟ وقد وقف العسس على الرجل يتشحط في دمه، وانا واقف، وفي يدي سكين، وفيها أثر الدم، وقد أخذت في خربة؟ فخفت ألا يقبل مني، وأن يكون قسامة، فاعترفت بما لم أصنع، واحتسبت نفسي عند الله. فقال علي: بئسما صنعت. فكيف كان حديثك؟ قال: إني رجل قصاب، خرجت إلى حانوتي في الغلس، فذبحت بقرة وسلختها. فبينما أنا أسلخها والسكين في يدي أخذني البول. فأتيت خربة كانت بقري فدخلتها، فقضيت حاجتي، وعدت أريد حانوتي، فإذا أنا بهذا المقتول يتشحط في دمه فراعني أمره، فوقفت أنظر إليه والسكين في يدي، فلم اشعر إلا بأصحابك قد وقفوا علي فأخذوني، فقال الناس: هذا قتل هذا، ما له قاتل سواه. فأيقنت أنك لا تترك قوهم لقولي، فاعترفت بما لم أجنه…»

القسم الثاني: القرينة المتوسطة، وهي متوسطة الدلالة بين الإثبات وعدمه على السواء، وهذه القرينة لا يعمل بها؛ للشك في دلالتها، لكن إن حف بها ما يقويها عمل بها.

القسم الثالث: القرينة الضعيفة، وهي التي تضعف دلالتها إلى درجة الاحتمال، وهذه القرينة لا يعمل بها ما لم ينضف إليها ما يرفعها إلى درجة الظن الغالب، فيكون لها حكم القرينة الظاهرة.

القسم الرابع: القرينة الكاذبة، وهي التي لا تفيد شيئا من العلم ولا الظن، فلا يعول عليها في الإثبات، ومثالها: بكاء لخصم لا يدل على أحقيته في المدعى به.

اترك ردّاً

Call Now Buttonاتصل الآن